إلى الفضل والإكرام، اللازم للرحمة ﴿في الدنيا﴾ بقبول التوبة والمعالمة بالحلم ﴿والآخرة﴾ بالعفو عمن يريد أن يعفو عنه منكم ﴿لمسكم﴾ أي عاجلاً عموماً ﴿في ما أفضتم﴾ أي اندفعتم على أي وجه كان ﴿فيه﴾ بعضكم حقيقة، وبعضكم مجازاً بعدم الإنكار ﴿عذاب عظيم*﴾ أي يحتقر معه اللوم والجلد، بأن يهلك فيتصل به عذاب الآخرة ؛ ثم بين وقت حلوله وزمان تعجيله بقوله :﴿إذ﴾ أي مسكم حين ﴿تلقونه﴾ أي تجتهدون في تلقي أي قبول هذا الكلام الفاحش وإلقائه ﴿بألسنتكم﴾ بإشاعة البعض وسؤال آخرين وسكوت آخرين ﴿وتقولون﴾ وقوله :﴿بأفواهكم﴾ تصوير لمزيد قبحه، وإشارة إلى أنه قول لا حقيقة له، فلا يمكن ارتسامه في القلب بنوع دليل ؛ وأكد هذا المعنى بقوله :﴿ما ليس لكم به علم﴾ أى بوجه من الوجوه، وتنكيره للتحقير ﴿وتحسبونه﴾ بدليل سكوتكم عن إنكاره ﴿هيناً وهو﴾ أى والحال أنه ﴿عند الله﴾ أي الذي لا يبلغ أحد مقدار عظمته ﴿عظيم*﴾ أي في حد ذاته ولو كان في غير أم المؤمنين رضي الله عنها، فكيف وهو في جنابها المصون، وهي زوجة خاتم الأنبياء وإمام المرسلين عليه أفضل الصلاة وأفضل التسليم.
ولما بين فحشه وشناعته، وقبحه وفظاعته، عطف على التأديب الأول في قوله ﴿لولا إذا سمعتموه﴾ تأديباً فقال :﴿ولولا إذ﴾ أى وهلا حين ﴿سمعتموه قلتم﴾ أي حين سماع من غير توقف ولا تلعثم، وفصل بين آلة التحضيض والقول المحضض عليه بالظرف لأن الظروف تنزل من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيها، وأنها لا انفكاك لها عنه، ولأن ذكره منبه على الاهتمام به لوجوب المابدرة إلى المحضض عليه :﴿ما يكون﴾ أى ما ينبغي وما يصح ﴿لنا لأن نتكلم﴾ حقيقة بالنطق ولا مجازاً بالسكوت عن الإنكار ﴿بهذا﴾ أى بمثله في حق أدنى الناس فكيف بمن اختارها العليم الحكيم لصحبة أكمل الخلق، تعجباً من أن يخطر بالبال، في حال من الأحوال.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٢