ولما كان من المحال أن يضل عن نور هو ملء الحافقين أحد من سكانها، بين وجه خفائه مع ظهور ضيائه واتساعه وقوة شعاعه، حتى ضل عنه أكثر الناس، فقال مبيناً بإضافة النر إلى ضميره أن الأخبار عنه بالنور مجاز لا حقيقة، منبهاً على أن آياته الهادية تلوح خلال الشبهات الناشئة عن الأوهام الغالبة على الخلق التي هي كالظلمات ﴿مثل نوره﴾ أي الذي هدي له إلى سبيل الرشاد في خفائه عن بعض الناس مع شدة ظهوره، وهو آياته الدالة عليه من أقواله وأفعاله ﴿كمشكاة﴾ أي مثل كة أي خرق لكن غير نافذ في دار ؛ قال البغوي : فإن كان لها منفذ فهي كوة.
ولما دخل المشكاة في هذا المثل خفياً فقدمها تشويقاً إلى شرحه، أتبعه قوله شارحاً له :﴿فيها مصباح﴾ أي سراج ضخك ثاقب.
وهو الذبالة - أي الفتيلة - الضخمة المتقدة، من الصباح الذي هو نور الفجر، والمصباح الذي هو الكوكب الكبير ؛ قال البغوي : وأصله الضوء - انتهى.
فإذا كان في المشكاة اجتمعت أشعته فكان أشد إنارة، ولو كان في فضاء لافترقت أشعته ؛ ةأتى ببقية الكلام استءنافاً على تقدير سؤال تعظيماً له فقال :﴿المصباح في زجاجة﴾ أي قنديل.
ولما كان من الزجاج ما هو في غاية الصفاء، بين أن هذه منه فقال :﴿الزجاجة كأنها﴾ أى في شدة الصفاء ﴿كوكب﴾ شبهه بها دون الشمس والقمر لأنهما يعتريهما الخسوف ﴿دريّ﴾ أي متلألىء بالأنوار فإنه إذا كان في زجاجة صافية انعكست الأشعة المنفصلة عنه من بعض جوانب الزجاجة إلى بعض لما فيها من الصفاء والشفيف فيزداد النور ويبلغ النهاية كما أن شعاع الشمس إذا وقع على ماء أو زجاجة صافية تضاعف النور حتى أه يظهر فيما يقابله مثل ذلك النور ؛ والدريّ - قال الزجاج : مأخوذ من درأ إذا اندفع منقضاً فتضاعف نوره.
ولما كان من المصابيح أيضاً ما يكون نوره ضعيفاً بين أن هذا ليس كذلك فقال :﴿يوقد﴾ أي المصباح، بأن اشتد وقده.


الصفحة التالية
Icon