ولما كلن هذا الضوء يختلف باختلاف ما يتقد فيه، فإذا كان دهناً صافياً خالصاً كان شديد، وكانت الأدهان التي توقد ليس فيها ما يظهر فيه الصفاء كالزيت لأنه ربما بلغ في الصفاء والرقة مبلغ الماء مع زيادة بياض وشعاع يتردد في أجزائه، قال :﴿من شجرة﴾ أى زيتها ﴿مباركة﴾ أي عظيمة الثبات والخيرات يطيب منبتها ﴿زيتونة﴾.
٢٦٤
ولما كان الزيت يختلف باختلاف شجرته في احتجابها عن الشمس وبروزها لها، لأن الشجر ربما ضعف وخبث ثمره بحائل بينه وبين الشمس، بين أن هذه الشجرة ليست كذلك فقال :﴿لا شرقية﴾ أي ليست منسوبة إلى الشرق وحده، لكونها بحيث لا يتمكن منها الشمس إلا عند الشروق لكنها في لحف جيل يظلها إذا تضيقت الشمس للغروب ﴿ولا غربية﴾ لأنها في سفح جبل يسترها من الشمس عند الشروق، بل هي بارزة للشمس من حين الشروق إلى وقت الغروب، ليكون ثمرها أنضج فيكون زيته أصفى، قال البغوي : هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عكرمة والكلبي والأكثرين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٣
فهي لزكاء عناصرها، وطهارة منبتهاً، وبروزها للشمس والرياح، بحيث ﴿يكاد زيتها﴾ لشدة صفائه ﴿يضيء ولو لم تمسسه نار﴾.
ولما علم من هذا أن لهذا الممثل به أنواراً متظاهرة بمعاونة المشكاو والزجاجة والمصباح والزيت، فلم يبق مما يقوي نوره ويزيده إشارقاً، ويمده بإضاءة نقية، قال في الممثل له :﴿نور على نور﴾ أي أن العلم الرباني عظيم الاتساع كلما سرحت فيه النظر، وأطلقت عنان الفكر، أتى لاغرائب ولا يمكن أن يوقف له على حد.
ولما كان الإخبار عن مضاعفة هذا النور موجباً لا عتقاد أنه لا يخفى عن أحد، أشار إلى أنه - بشمول علمه وتمام قدرته - يعمى عنه من يريد مع شدة ضيائه، وعظيم لألائه، فقال :﴿يهدي الله﴾ أي بعظمته المحيطة بكل شيء ﴿لنوره من يشاء﴾ كما هدى الله من هدى من المؤمنين لتبرئة عائشة رضي الله عنها قبل إنزال براءتها.