بكون الله اختارها لنبيه ﷺ، ولا يختار له إلا طيباً طاهراً وما شاكل ذلك، وعلم أن قسيم ذلك " ويضل الله عن نوره من يشاء " وعلم أن وجه كونه ضل عنه أكثر الناس إنما هو ستر القادر له بنقص في حس من يريد سبحانه إضلاله، لا لنقص في النر كما قال الشاعر :
والنجم تستصغر الأبصار صورته فالذنبللطرف لا للنجم في الصغر
كما سيأتي إيضاح ذلك عند قوله تعالى ﴿إلم تر إلى ربك كيف مد الظل﴾ [الفرقان : ٢٥]، ومر نفاً في حديث علي رضي الله عنه في الأرواح ما ينفع ههنا.
ولما كان كأنه قيل : ضرب الله هذا المثل لكم لتدبروه فتنفعوا به، عطف عليه قوله :﴿ويضرب الله﴾ أي بما له من الإحاطة بكمال القدرة وشمول العلم ﴿الأمثال للناس﴾ لعلمه بها، تقريباً للأفهام، لعلهم يهتدون ﴿والله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال ﴿بكل شيء﴾ أي منها ومن غيرها ﴿عليم*﴾ يبين كل شيء بما يسهل سبيله فثقوا بما يقول، وإن لم تفهموه أنفسكم وأمعنوا النظر فيه يفتح لكم سبحانه ما انغلق منه.
٢٦٥
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٣
ولما كان كأنه قيل : فأي شيء يكون هذه المشكاة ؟ قال شافياً على هذا السؤال :﴿في بيوت﴾ أي في جدران بيوت، فجمع دلالة على أن المراد بالمشكاة الجنس لا الواحد، وفي وحدتها ووحدة آلات النور إشارة إلى عزته جداً ﴿أذن الله﴾ أي مكن بجلاله فأباح وندب وأوجب ﴿أن ترفع﴾ حساً في البناء، ومعنى بإخلاصها للعمل الصالح، من كل رافع أذن له سبحانه في ذلك، فعلى المرء إذا دخلها أن يتحصن من العدو بما رواه أبو دواد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ أنه كان إذا دخل المسجد قال :"أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم" قال عقبة بن مسلم : فإذا قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر يوم.


الصفحة التالية
Icon