ولما كان كل من الكتاب والمنزل عليه بالغاً في معناه، عبر بما يصح أن يراد به المنذر والإنذار على وجه المبالغة فقال :﴿نذيراً*﴾ أي وبيراً، وإنما اقتصر على النذارة للإشارة إلى البشارة بلفظ ﴿تبارك﴾ ولأن المقام لها، لما ختم به تلك من إعراض المتولين عن الأحكام، ونفى الإيمان عنهم بانتفاء الإسلام، وفيه إشارة إلى كثرة المستحقين للنذارة، ولا التفات إلى من قال : إن الرازي والبرهان النسفي نقلاً الإجماع على أنه ﷺ لم يرسل الملائكة، فإن عبارة الرازي في بعض نسخ تفسيره : لكنا أجمعنا على أنه لم يرسل إلى الملائكة، وفي أكثر النسخ : بينا - بدل : أجمعنا، على أنه لو اتفقت جميع النسخ عليها لم تضر، لأنها غير صريحة في إرادة الإجماع، ولأن الإجماع لا يثبت بنقل واحد لا سيما في مثل هذا الذي تظافرت الظواهر على خلافه، ولم يرد مانع منه، وأما البرهان النسفي فمن الرازي أخذ، وعبر بعبارته، فصارا واحداً، وقد بينت ذلك عند قوله تعالى في سورة الأنعام ﴿لأنذركم به ومن بلغ﴾ [الأنعام : ١٩] بيناً شافياً لا ارتياب معه، بل ولو قيل : إن الآية على ظاهرها، لا خصوص فيها بالعقلاء، وتكليف كل شيء بحسبه، لكان وجهاً، وبذلك صرح الإمام تاج الدين السبكي في أول الترشيح في قوله :" وأصلي على نبيه نحمد المصطفى المبعوث إلى كل
٢٩٢


الصفحة التالية
Icon