بالجار فقالك ﴿من دونه﴾ أي بعد ما قام من الدليل على أنه الإله وحده من الحثيثات التي تقدمت ﴿آلهة﴾ المتحدون مشاهدون لأنهم كما قال تعالى :﴿لا يخلقون شيئاً﴾ أي لا أعجز منهم، لا يكون منهم إيجاد شيء، فيهم دون من عبدهم.
ولما كانت ربما ادعى أنهم مع ذلك غير مخلوقين قال :﴿وهم يخلقون﴾ أي بما يشاهد فيهم من التغير والطواعية لمشيئته سبحانه، ومن غير ذلك أن عبدتهم افتعلوهم بالنحت والتصوير.
ولما قرر أنه أنعم على كل شيء، وكانت النعم أكثر وجوداً، وكان أدنى نعمة على الشيء خلقه سبحانه له، أخبر أن ذلك الغير لا يقدر على ضر نفسه ولا بالإعدام، فقال معبراً بأداة العقلاء تهكماً بعابديهم حيث أقاموهم في ذلك المقام، أو تغليباً لأنهم عبدوا الملائكة وعزيزاً والمسيح عليهم السلام :﴿ولا يملكون﴾ أي لا يتجدد لهم بوجه من الوججوه أن يملكوا ﴿لأنفسهم ضراً﴾ ولذلك قدمه، ونكره ليعم.
فلما ثبت بذلك أنهم خلقه، ولكن كان ربما قال متعنت : إنهم يملكن ذلك ولكنهم يتركنه عمداً، لأن أحداً لا يريد ضر نفسه، قال :﴿ولا نفعاً﴾ أى ولو بالبقاء على حالة واحدة، وعبدتهم يقدرون على ما أراد الله م ذلك على وجه الكسب، فهم أعلى منهم وعبادة الأعلى لمن دونه ليست من أفعال العقلاء.
ولما كان الموت والحياة ما ليس لغيرهما من عظيم الشأن، أعاد العامل فقال :﴿ولا يملكون﴾ وقدم الموت لأن الحياة أكثر، فقال مبتدئاً بما هو من باب الضر على نسق م قبله :﴿موتاً﴾ أي لأنفسهم ولا لغيرهم ﴿ولا حياة﴾ أي من العدم ﴿ولا نشوراً*﴾ أى إعادة لما طوي من الحياة بالموت، وعطفها بالواو وإن كان بعضها مسبباً عما قبله إشارة إلى أن كل واحدة منها كافية في سلب الإلهية عنهم بما ثبت من العجز.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩١