ولما كانت ترجمة ما مضى : ما له مثلنا وهو يدعي الاختصاص عنا بالرسالة ؟ أتبعوه التعنيف على عدم كونه على واحد من وجوه مغايرة على سبيل التنزل جواباً لمن كأنه قال : فماذا يفعل ؟ بقولهم :﴿لولا﴾ أي هلا، وهي تأتي للتوبيخ، وهو مرادهم ﴿أنزل﴾ أي من السماء، من أيّ منزل كان، منتهياً ﴿إليه﴾ أي على الهيئة التي هو عليها في السماء ﴿ملك﴾ أي من الملائكة الله على هيئاتهم المباينة لهيئات الآدميين ﴿فيكون﴾ بالنصب جواباً للتحضيض ذلك الملك وإن كان هو إنساناً ﴿معه نذيراً*﴾ فيكون ممتازاً بحال ليس لواحد منا، ليكون أهيب في النذارة، لما له من الهيبة والقوة، وكأنهم عبروا بالماضي إعلاماً بأن مرادهم كونه ي الظهور لهم على غير الهيئة التي يخبركم بها من تجدد نزول الملك عليه في كل حين مستسراً بحيث لا ينظره غيره، أو لأن الملك يمكن أن يكون على حالة المصاحبة له للنذارة، وإنما لا يتحول عنها بصعود إلى السماء ولا غيره، بخلاف الكنز فإنه للنفقة، فإن لم يتعهد كل وقت نفد، زهذا سر التعبير بـ " إلى " دون " على " التي هي للتغشي بالوحي، ولذلك عبروا بالمضارع في قولهم، متنزلين عن علو تلك الدرجة :﴿أو يلقى﴾ أي من أي ملق كان.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٥
ولما كان الإلقاء دالاً على العلو، عدلوا عن أداة الاستعلاء التي تقدم التعبير بها في هود عليه السلام من الإنزال إلى حرف النهاية فقالوا :﴿إليه﴾ أي إن لم تكن له تلك الحالة ﴿كنز﴾ أي يوجد له هذا الأمر ويتجدد له إلقاؤه غير مكترث ولا معبوء به، برفعه عن مماثلتنا العامة من كل وجه، وأيضاً التعبير في هذا الذي بعده بالمضارع أدل على تكالبهم على الدنيا وأنها أكبر همهم.


الصفحة التالية
Icon