ثم تنزلوا أيضاً في قولهم :﴿أو تكون له﴾ أي أن لم تكن له شيء مما مضى ﴿جنة﴾ أي بستان أو حديقة كما لبعض أكابرنا ﴿يأكل منها﴾ فتفرغه عما يتعاطاه في بعض الأحايين من طلب المعاش، ويكون غناه أعز له وأجلب للخواطر إليه، وأحث لعكوف الأتباع عليه، وأجع فيما يريده - هذا على قراءة الجماعة بالياء التحتية، وعلى قراءة حمزة والكسائي بالنون يكون المعنى : أنا إذا أمكنا منها، كان ذلك أجلب لنا إلى اتباعه، وما قالوه كله فاسد إذ لم يدّع هو ﷺ ولا أحد من أتباعه أنه هو ولا أحد من الأنبياء قبله يباين البشر، ولا أن وصفاً من أوصاف البشر الذاتية ينافي النبوة والرساله، وأما الاستكثار من الدنيا فهو عائق في الأغلب عن السفر إلى دار
٢٩٨
الكرامة، ومطن السلامة، وحامل على التجبر، ولا يفرح به إلا أدنياء الهمم، وخفة ذات اليد لا تقدح إلا في ناقص يسأل الناس تصريحاً أو تلويحاً إرادة لتكميل نقصه بالحطام الفاني، وقد شرف الله نبيه ﷺ عن ذلك بما له من صفات الكمال، والأخلاق العوال.
ولما كانوا بهذا واضعين الكلام في غير مواضعه، بعيدين عن وجه الصواب، قال معجباً من أمرهم :﴿وقال الظالمون﴾ فأظهر الوصف الموجب لهم ذلك :﴿إن﴾ أي ما ﴿تتبعون﴾ إن اتبعتم ﴿إلا رجلاً مسحوراً*﴾ أي يتكلم بما لا يجديه، فحاله لذلك حال من غلب على عقله بالسحر، أو ساحراً صار السحر له طبعاً، فهو يفرق بما جاء به بين المرء وزوجه وولده ونحو ذلك، وعبروا بصيغة المفعول إشارة إلى هذا، وهو أنه لكثرة ما يقع منه من ذلك - صار كأنه ينشأ عنه على غير اختياره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٥


الصفحة التالية
Icon