ولما كان المعنى : إنا ما أضللناهم، أما إذا قدر من الملائكة ونحوهم فواضح، وأما من غيرهم فإن المضل في الحقيقة هو الله، وفي الظاهر بطرهم النعمة، واتباعهم الشهوات التي قصرت بهم عن أمعان النظر، وأوقفتهم مع الظواهر، حسن الاستدراك بقوله :﴿ولكن﴾ أي ما اضللناهم نحن، وإنما هم ضلوا بإرادتك لأنك أنت ﴿متعتهم وآباءهم﴾ في الحياة الدنيا بما تستدرجهم به من لطائف المنن، وأطلت أعمارهم في ذلك ﴿حتى نسوا الذكر﴾ الذي لا ينبغي أن يطلق الذكر على غيره، وهو الإيمان بكل ما أرسلت به سبحانك رسلك برهان ما يعرفه كل عاقل من نفسه بما وهبته من غريزة العقل من أنه لايصح بوجه أن يكون الإله إلا واحداً، ما بين العاقل وبين ذكر ذلك إلا يسير تأمل، مع البراءة ن شوائب الحظوظ والحاصل أنك سببت لهم أسباباً لم يقدروا على الهداية معها، فأنت الملك الفعال لما تريد، لا فعل لأحد سواك ﴿وكانوا﴾ في عملك بما قضيت عليهم في الأزل ﴿قوماً بوراً*﴾ هلكي.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٣
٣٠٧
ولما كان هذا أمراً واقعاً لا محالة، التفت إليهم مبكتاً فقال معبراً بالماضي بعد " قد " المقربة المحققة :﴿فقد كذبوكم﴾ أي المعبودون كذبوا العابدين بسبب إلقائهم السلم المقتضي لأنهم لا يستحقون العبادة وأنهم يشفعون لكم مقهورين مربوبين ﴿بما﴾ أي بسبب ما ﴿تقولون﴾ أيها العابدون من أنهم يستحقون العبادة، وأنهم يشفعون لكم، وأنهم أضلوكم، وفي قراءة ابن كثير بالتحتانية المعنى : بما يقول المعبدون من التسبيح لله والإذعان، في ادعائكم أنهم أضلوكم.


الصفحة التالية
Icon