ولما كان المراد العموم، أعراه من الجار فقال :﴿قبلك﴾ أى يا محمد أحداً ﴿من المرسلين إلا﴾ وحالهم ﴿إنهم ليأكلون الطعام﴾ ما نأكل ويأكل غيرك من الآدميين ﴿ويمشون في الأسواق﴾ كما تفعل ويفعلون أي إلا وحالهم الأكل والمشي لطلب المعاش كحال سائر الآدميين، وهو يعلمون ذلك لما سمعوا من أخبارهم، وهذا تأكيد من الله تعالى فإ، هم لا يكذبونه عليه الصلاة والسلام، ولا يعتقدون فيه نقصاً، وإبطال لحجتهم بما قالوه من ذلك، وإقامة للحجة على عنادهم، وأنهم إنما يقولونه وأمثاله لمما تقدم من رسوخ التكذيب بالساعة في أنفسهم ﴿وجعلنا﴾ أي بالعطاء والمنع بما لنا من العظمة ﴿بعضكم لبعض فتنة﴾ بأ، جعلنا هذا نبياً وخصصناه بالسالة، وهذا ملكاً وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيراً وحرمناه
٣٠٨
الدنيا، ليظهر ما نعلمه من كل من الطاعة والمعصية في عالم الغيب للناس في عالم الشهادة، فنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغني أو جزعه، والملك ومن في معناه من الأشراف بصبرهم على ما أعطيه الرسول منالكرامة والبلوغ بالقرب من الله إلى ما يبلغونه مع ما هم فيه من العظمة، فلأجل ذلك لم أعط رسولي الدنيا، وجعلته ممن يختار العبوديه والكفاف بطلب المعاش في الأسواق، لأبتليكم في الطاعة له خالصة، فإني لو أعطيته في الدنيا، وجعلته ممن يختار الملك، لسارع الأكثر إلى اتباعه طمعاً في الدنيا، وهذا معنى ﴿أتصبرون﴾ فإنه علة ما قبله، أي لنعلم علم شهادة هل تصبرون فيما امتحنكم به أم لا ؟ كما كنا نعلمه علم الغيب، لتقوم عليكم بذلك الحجة في مجاري عاداتكم، زفيها مع العلية تهديد بليغ لمن تدبر، ويجوز أن يكون الاستفهام استئنافاً للتهديد.


الصفحة التالية
Icon