ولما بين كذبوه وعادوه، وأشار بآية الحشر إلى جهنم إلى أنه لا يهلكهم بعامة، عطف على عامل " لنثبت " تسلية له وتخويفاً لهم قوله :﴿ولقد آتينا﴾ أي بما لنا من ا لعظمة ﴿موسى الكتاب﴾ كما أتيناك، بينا فيه الشرائع والسنن والأحكام، وجعلناه هدى ورحمة، وأنزلناه إليه منجماً في نحو عشرين سنة يقال : إنها ثمان عشرة كما أنزلنا إليك هذا القرآن في نيف وعشرين سنة، كما بينت ذلك في آخر سورة النساء وغيرها، على أن أحداً ممن طالع التوراة لا يقدر على إنكار ذلك، فإنه بيّن ن نصوصها.
وزاد في التسلية بذكر الوزير، لأن الرد للاثنين أبعد، وفيه إشارة إلى أنه لا ينفع في إيمانهم إرسال ملك كما اقترحوا ليكون معه نذيراً، فقال :﴿وجعلنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿معه أخاة﴾ ثم بينه بقوله :﴿هارون﴾ وبين محط الجعل بقوله :﴿وزيراً﴾ أي معيناً في كل أمر بعثناه به، وهو مع ذلك نبي، ولا تنافي بين الوزارة والنبوة.
ولما كانت الواو لا ترتب، فلم يلزم من هذا أن يكون هذا الجعل بعد إنزال الكتاب كما هو الواقع، رتب عليه قوله :﴿فقلنا﴾ أي بعد جعلنا له وزيراً.
ولما كان المقصود هنا من القصة التسلية والتخويف، ذكر حاشيتها أولها وآخرها، وهما إلزام الحجة والتدمير، فقال :﴿اذهبا إلى القوم﴾ أي لاذين فيهم قوة وقدرة على ما يعانونه وهم القبط ﴿الذين كذبوا يآياتنا﴾ أي المرئية والمسموعة من النبياء الماضين قبل إتيانكما في علم الشهادة، والمرئية والمسموعة منكما بعد إتيانكما في علمنا.
فذهبا إلهيم فكذبوهما فيما أرياهم وأخبراهم به من الآيات، لما طبعناهم عليه من الطبع المهيىء لذلك.


الصفحة التالية
Icon