ولما كان السياق للإنذار بالفرقان، طوي أمرهم إلا في عذابهم فقال :﴿فدمرناهم﴾ أي لذلك ﴿تدميراً*﴾ بإغراقهم أجمعين عل يد موسى عليه السلام في البحر، لم نيق منه أحداً مع ما أصبناهم به قبل ذلك من المصائب، مع اجتهاد موسى عليه السلام في إحيائهم بالإيمان، الموجب لإبقائهم في الدارين، عكس ما فعلناه بموسى عليه السلام من
٣١٧
إنجائه من الهلاك بإلقائه في البحر، وإبقائه بمن اجتهد في إعدامه، وجعلنا لكل منهما حظاً من بحره ﴿هذا ملح أجاج﴾ هو غطاء جهنم، ﴿وهذا عذب فرات﴾ [الفرقان : ٥٣] عنصره من الجنة، فليحذر هؤلاء الذين تدعوهم من مثل ذلك إن فعلوا مثل فعل أولئك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٤
ولما هدد المكذبين، بإهلاك الأولين، الذين كانوا أقو منهم وأكثر، وقدم قصة موسى عليه السلام لمناسبة الكتاب في نفسه أولاً ؛ وفي تنجيمه ثانياً، أتبعه أول الأمم، لأنهم أول، ولما في عذابهم من الهول، ولمناسبة ما بينه وبين عذاب القبط، فقال :﴿وقوم﴾ أي ودمرنا قوم ﴿نوح لما كذبوا الرسل﴾ بتكذيبهم نوحاً ؛ لأن من كذب واحداً من الأنبياء بالفعل فقد كذب الكل بالقوة، لأن المعجزات هي البرهان على صدقهم، وهي متساوية الأقدام في كونها خوارق، لا يقدر على معارضتها، فالتكذيب بشيء منها تكذيب بالجميع لأنه لا فرق، ولأنهم كذبوا من مضى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما سمعوه من أخبارهم، ولأنهم عللوا تكذيبهم بأنه من البشر فلزمهم تكذيب كل رسول من البشر.