ولما كان هذا الاستفهام مفيداً للنفي، أثبت ما أفهمه بقوله :﴿إن﴾ أي ما ﴿هم إلا كالأنعام﴾ أي في عدم العقل لعدم الانتفاع به ﴿بل هم أضل﴾ أى منها ﴿سبيلاً*﴾ لأنهم لا ينزجرون بما يسمعون وهي تنزجر، ولا يشكرون للمحسن وهو وليهم، لا يجانبون المسيء وهو عدوهم، ولا يرغبون في الثواب، ولا يخافون العقاب، وذلك لأنا حجبنا شموس عقولهم بظلال الجبال الشامخة من ضلالهم، ولو آمنوا لانقشعت تلك الحجب، وأضاءت أنوار الإيمان، فأبصروا غرائب المعاني، وتبدت لهم خفايا الأسرار ﴿إن الذين آمنوا وعملو الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم﴾ [يونس : ٩] فكما أن الإنسان - وإن كان بصيراً - لا يميز بين المحسوسات ما لم يشرق عليها نور الشمس،
٣٢٢
فلذلك الإنسان - وإن كان عاقلاً ذا بصيرة - لا تدرك بصيرته المعاني المعلومات على ما هي عليه ما لم يشرق عليها نور الإيمانن لأن البصيرة عين الروح كما أن البصر عين الجسد ؛ ولما كان من المعلوم أنهم يسمعون ويعقلون وأن المنفي إنما هو انتفاعهم بذلك، كان موضع عجب من صرفهم عن ذلك، فعبق سبحانه بتصرفه في الأمور الحسية مثالاً للأمور المعنوية، ولأن عمله في الباطن ينيره إذا شاء بشمس المعارف كعمله في الظاهر سواء، دليلاً على سلبهمالنفع بما أعطاهموه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٩