قال منبهاً على فضل مدخول " ثم " وترتبه متصاعداً في درج الفضل، فما هنا أفضل مما قبله، وما قبله أجلّ مما تقدمه، تشبيهاً لتباعد ما بين المراتب الثلاث في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت :﴿ثم قبضناه﴾ أي الظل، والقبض : جمع المنبسط ﴿إلينا﴾ أى إلى الجهة التي نريدها، لا يقدر أحد غيرنا أن يحوله إلى جهة غيرها ؛ قال الرازي رحمه الله في اللوامع : وهذه الإضافة لأن غاية قصر الظل عند غاية تعالى الشمس، والعلو موضع الملائكة وجهة السماء التي فيها أرزاق العباد، ومنها نزول الغيث والغياث، وإليها ترتفع أيدي الراغبين، وتشخص أبصار الخائفين - انتهى.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٣
قبضاً يسيراً*﴾ أي هو - مع كونه في القلة بحيث يعسر إدراكه حق تلإدراك - سهل علينا، ولم نزل ننقصه شيئاً فشيئاً حتى اضمحل كله، أو إلا يسيراً، ثم مددناه أيضاً بسير الشمس وحجبها ببساط الأرض قليلاً قليلاً، أولاً فأولاً بالجبال والأبينة والأشجار، ثم بالروابي والآكان والظراب وما دون ذلك، حتى تكامل كما كان، وفي تقديره هكذا من المنافع ما لا يحصى، ولو قبض لتعطلت أكثر منافع الناس بالظل والشمس جميعاً، فالحاصل أنه يجعل بواطنهم مظلمة بحجبها عن أنوار المعارف فيصيرون كالماشي في الظلام، ويكون نفوذهم في الأمور الدنيوية كالماشي بالليل في طرق قد عرفها ودربها بالتكرار، وحديث علي رضي الله عنه في الروح الذي مضى عند " والطبيات للطيبين " في النور شاهد حسي لهذا المر المعنوي - والله الموفق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٣