ولما تضمنت هذه الآية الليل النهار، قال مصرحاً بهما دليلاً على الحق، وإظهاراً للنعمة على الخلق :﴿وهو﴾ أي ربك وحده ﴿الذي جعل﴾ ولما كان ما نضى في الظل أمراً دقيقاً فحص به أهله، وكان أمر الليل والنهار ظاهراً لكل أحد، عم فقال :﴿لكم الليل﴾ أي الذي تكامل به مد الظل ﴿لباساً﴾ أى ساتراً للأشياء عن الأبصار كما يستر اللباس ﴿والنوم سباتاً﴾ أي نوماً وسكوناً وراحة، عبارة عن كونه موتاً أصغر طاوياً لما كان من الإحساس، قطعاً عما كان منالشعور والتقلب، دليلاً لأهل البصائر على الموت ؛ قال البغوي وغيره : وأصل السبت القطع.
وفي جعله سبحانه كذلك من الفوائد الدينية والدتيوية ما لا يعد، وكذا قوله :﴿وجعل النهار نشوراً*﴾ أي حياة وحركة
٣٢٤
وتقلباً بما أوجد فيه من اليقظة المذكرة بالبعث، المهيئة للتقلب، برد ما أعدمه النوم من جميع الحواس ؛ يحكى أن لقمان قال لابنه : كما تنام فتوقظ فكذلك تموت فتنشر.
فالآية من الاحتباك : ذكر السبات أولاً دليلاً على الحركة ثانياً، والنشور ثانياً دليلاً على الطيّ والكسون أولاً.
ولما دل على عظمته بتصرفه في المعاني بالإيجاد والإعدام، وختمه بالإماتة والإحياء بأسباب قريبة، أتبعه التصرف في الأعيان بمثل ذلك، دالاًّ على الإماتة والإحياء بأسباب بعيدة، وبدأه بما هو قريب للطافته من المعاني، وفيه النشر الذي ختم به ما قبله، فقال :﴿وهو﴾ أي وحده ﴿الذي أرسل الرياح﴾ فقراءة ابن كثير بالإفراد لإرادة الجنس، وقراءة غيره بالجمع أدل على الاختيار بكونها تارة صباً وأخرى دبوراً، ومة شمالاً وكرة جنوباً وغير ذلك ﴿بشراً﴾ أي تبعث بأرواحها السحاب، كما نشر بالنهار أرواح الأشباح ﴿بين يدي رحمته﴾ لعباده بالمطر.