ولما كان السحاب قريباً من اللطافة، والماء قريباً منهما ومسباً عما تحمله الريح منالسحاب، أتبعهما به، ولما كان في إنزاله من الدلالة على العظمة بإيجاده هنالك وإمساكه ثم إنزاله في الوقت المراد والمكان المختار على حسب الحاجة ما لا يخفى، غير الأسلوب مظهراً للعظمة فقال :﴿وأنزلنا من السماء﴾ أى حيث لا ممسك للماء فيه غيره سبحانه ﴿ماء﴾ ثم أبدل منه بياناً للنعمة به فقال :﴿طهوراً*﴾ أي طاهراً في نفسه مطهراً لغيره، اسم آلة كالسحور والسنون لما يتسحر به ويستن به، ونقل أبو حيان عن سيبويه أنه مصدر لتطهّر المضاعف جرى على غير فعله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٤
وأما جعله مبالغة لطاهر فلا يفيد غير أنه بليغ الطهارة في نفسه لأن فعله قاصر.
ولما كانت هذه الأفعال دالة على البعث لكن بنوع خفاء، أتبعها ثمرة هذا الفعل دليلاً واضحاً على ذلك، فقال معبراً بالإحياء لذلك، معللاً للطهور المراد به البعد عن جميع ما يدنسه من ملوحة أو مرارة أو كبرتة ونحو ذلك مما يمنع كمال الانتفاع به :﴿لنحي به﴾ أي بالماء.
ولما كان المقصود بإحياء الأرض بالنبات إحياء البلاد لإحياء أهلها قال :﴿بلدة﴾ ولو كان ملحاً أو مراً أو مكبرتاً لم تكن فيه قوة الإحياء.
ولما كره أن يفهم تخصيص البلاد، أجري الوصف باعتبار الموضع ليعم كل مكان فقال :﴿ميتاً﴾ أي بما نحدث فيه من النبات بعد أن كان قد صار هشيماً ثم تراباً، ليكون ذلك آية بينة على قدرتنا على بعث الموتى بعد كونهم تراباً.
٣٢٥
ولما كان في مقام العظمة، بإظهار القدرة، زاد على كونه آية على البعث بإظهار النبات الذي هو منفعة للرعي منفعة أخرى عظيمة الجدوى في الحفظ من الموت بالشرب كما كانت آية الإحياء حافظة بالأكل فقال :﴿ونسقيه﴾ أي الماء وهو من أسقاه - مزيد سقاه، وهما لغتان.
قال ابن القطاع : سقيتك شراباً وأسقيتك، والله تعالى عباده وارضه كذلك.
﴿مما خلقنا﴾ أي بعظمتنا.