منها عل حدته، ومنعه من أن يختلط بالآخر مع اختلاط الكل بالتراب المتصل بعضه ببعض، فقال عائداً إلى اسلوب الغيبة تذكيراً الإحسان بالعطف على ضمير " الرب " في آية الظل :﴿وهو﴾ أي وحده ﴿الذي مرج البحرين﴾ أي الماءين الكثيرين الواسعين بأن جعلهما مضطربين كما تشاهدونه من شأن الماء ؛ وقال الرازي : خلى بينهما كأنه أرسلهما في مجاريهما كما ترسل الخيل في المرج، وأصل المرج يدل على ذهاب ومجيء واضطراب والتباس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٧
ولما كان الضطراب موجباً للاختلاط، وكانت " ال " دائرة بين العهد والجنس، تشوف السامع إلى السؤال عن ذلك، فأجيب بأن المراد جنس الماء الحلو والملح، لأن البحر في الأصل الماء الكثير، وبأنه سبحانه منعهما من الاختلاط، مع الموجب له في العادة، بقدرته الباهرة، وعظمتهالقاهرة، فقال :﴿هذا عذب﴾ أي حلو سائغ ﴿فرات﴾ أي شديد العذوبة بالغ الغاية فيها حتى يضرب إلى الحلاوة، لا فرق بين ما كان منه على وجه الأرض وما كان في بطنها ﴿وهذا ملح﴾ شديد الملوحة ﴿أجاج﴾ أي مر محرق بملوحته ومرارته، لا يصلح لسقي ولا شرب، ولعله أشار بأداة القرب في الموضعين تنبيهاً على وجود الموضعين، مع شدة المقاربة، لا يلتبس أحدهما بالآخر حتى أنه إذا حفر على شاطىء البحر الملح بالقرب منه جداً خرج الماء عذباً جداً ﴿وجعل﴾ أى الله سبحانه ﴿بينهما برزخاً﴾ أى حاجزاً من قدرته مانعاً من اختلاطهما.