ولما كان المسلى ربما وقع في فكره أن من سلاه إما غير قادر على نصره، أو غير عالم بذنوب خصمه، وكان السياق للشكاية من إعراض المبلغين عن القرآن، وما يتبع ذلك من الأذى، أشار بالعطف على غير مذكور إلى أن التقدير : فكفى به لك نصيراً، وعطف عليه :﴿وكفى﴾ وعين الفاعل وحققه بإدخال الجار عليه فقال :﴿به بذنوب عباده﴾ أي وكل ما سواهم عباده ﴿خبيراً*﴾ لا يخفى عليه شيء منها وإن دق، ثم وصفه بما يقتضي أنه مع ما له من عظيم القدرة بالملك والاختراع - متصف بالأناة وشمول العلم وحسن التدبير ليتأسى به المتوكل عليه فقال :﴿الذي خلق السماوات والأرض﴾ أي على عظمهما ﴿وما بينهما﴾ من الفضاء والعناصر والعباد وأعمالهم من الذنوب وغيرها ﴿إلا يعلم من خلق﴾ [الملك : ١٤] وقوله :﴿في ستة أيام﴾ تعجيب للغبي الجاهل، تدريب للفطن العالم في الحلم والأناة والصبر على عباد الله مقدار ستة من أيامنا، فإن الأيام ما حدثت إلا بعد خلق الشمس، الإقرار بأن تخصيص هذا العدد لداعي حكمه عظيمة، وكذا جميع أفعاله وإن كنا لا ندرك ذلك، هو الإيمان، وجعل الله
٣٣١
الجمعة عيداً للمسلمين لأن الخلق اجتمع فيه بخلق آدم عليه السلام فيه في آخر ساعة.
ولما كان تدبير هذا الملك أمراً باهراً، أشار إليه بأداة التراخي فقال :﴿ثم استوى على العرش﴾ أي شرع في تدبير لهذا الملك الذي اخترعه وأوجده، وهو وذنوبهم من جملته كما يفعل الملوك في ممالكهم، لا غفلة عنده عن شيء أصلاً، ولا تحدث فيه ذرة من ذات أو معنى إلا بخلق جديد منه سبحانه، رداً على من يقول من اليهود وغيرهم : إن ذلك إنما هو بما دبر في الأزل من الأسباب، وأنه الآن لا فعل له.