ولما ذكر ما أثمره العلم من الفعل في أنفسهم، أتبعه ما أنتجه الحلم من القول لغيرهم فقال :﴿وإذا﴾ دون " إن " لقضاء العادة بتحقق مدخولها، ولم يقل : والذين كبقية المعطوفات، لأن الخصلتين كشيء واحد من حيث رجوعهما إلى التواضع ﴿خاطبهم﴾ خطاباً ما، بجهل أو غيره وفي وقت ما ﴿الجاهلون﴾ أي الذين يفعلون ما يخالف العلم والحكمة ﴿قالوا سلاماً*﴾ أي ما فيه سلامة من كل سوء، وليش المراد التحية - نقل ذلك سيبويه عن أبي الخطاب، قال : لأن الآية فيما زعم مكية، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولكنه على قولك : تسليماً لا خير بيننا وبينكم ولا شراً - انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٣
فلا حاجة إلى ادعاء نسخها بآية القتال ولا غيرها، لأن الإعضاء عن السفهاء وترك المقابلة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة، وأسلم للعرض والورع، وكأنه أطلق الخطاب إعلاماً بأن أكثر قول الجاهل الجهل.
ولما ذكر ما بينهم وبين الخلق من القول والفعل، وكان الغالب على ذلك أن يكون جلوه نهاراً، ذكر ما بينهم وبين خالقهم من ذلك خلوة ليلاً، وذكر هذه المعطوفات التي هي صفات بالواو، تنبيهاً على أن كل واحدة منها تستقل بالقصد لعظم خطرها، وكب أثرها، فقال :﴿والذين يبيتون﴾ من البيتوتية : أن يدرك الليل نمت أو لم تنم، وهي خلاف الظلول ؛ وأفاد الاختصاص بتقديم ﴿لربهم﴾ أي المحسن إليهم برحمانيته، يحيون الليل رحمة لأنفسهم، وشكراً لفضله.
ولما كان السجود أشد أركان الصلاة تقريباً إلى الله، لكونه أنهى الخضوع مع أنه الذي أباه الجاهلون، قدمه لذلك ويعلم بادىء بدء أن القيام في الصلاة فقال :﴿سجداً﴾ وأتبعه ما هو تلوه في المشقة تحقيقاً لأن السجود على حقيقته فيتمحص الفعلان للصلاة، فقال :﴿وقياماً*﴾ أي ولم يفعلوا فعل الجاهلين منالتكبر عن السجود، بل كانوا - كما قال الحسن رحمه الله : نهارهم في خشوع، وليلهم في خضوع.


الصفحة التالية
Icon