ولما ذكر تهذيبهم لأنفسهم للخلق والخالق، أشار إلى أنه لا إعجاب عندهم، بل هم وجلون، وأن الحامل لهم على ذلك الإيمان باخرة التي كذب بها الجاهلون ﴿يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون﴾ [المؤمنون : ٦٠] وقدموا الدعاء بالنجاة اهتماماً بدرء المفسدة، وإشعاراً بأنهم مستحقون لذلك وإن اجتهدوا، لتقصيرهم عن أن يقدروه سبحانه حق قدره فقال :﴿والذين يقولن ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا ﴿اصرف عنا عذاب جهنم﴾ الذي أحاط بنا لا ستحقاقناه إياه إلا أن يتداركنا عفوك ورجمتك، بما توفقنا له من لقاء من يؤذينا بطلاقة الوجه، لا بالتجهم، ثم علل سؤالهم يقولهم :﴿إن عذابهما كان﴾ أي كوناً جبلت عليه ﴿غراماً*﴾ أي هلاكاً وخسراناً ملحاً
٣٣٥
محيط بمن تعلق به مذلاً له، دائماً بمن غرى به، لازماً له لا ينفك عنه ونحن كنا نسير على من آذانا.
ولما ثبت لها هذا الوصف، أنتج قوله :﴿إنها سات﴾ أي تناهت هي في كل ما يحصل منه سوء، وهي في معنى بئست في جميع المذام ﴿مستقراً﴾ أي من جهة موضع استقرار ﴿ومقاماً*﴾ أي موضع إقامة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٣
ولما ذكر أفعالهم وأقوالهم فيما بينهم وبين الخلق وقدمه، والخالق وأخره، لأن وجوبه يكون بعد ذلك، ذكر أحوالهم في أموالهم، نظراً إلى قول الكفرة ﴿أو يلقى إليه كنز﴾ [الفرقان : ٨] وهداية إلى طريق الغنى لأنه ما عال من اقتصد، فقال :﴿والذين إذا أنفقوا﴾ أي للخلق أو الخالق في واجب أو مستحب ﴿لم يسرفوا﴾ أي يجاوزوا الحد في النفقة بالتبذير، فيضيعوا الأموال في غير حقها فيكنوا إخوان الشياطين الذين هم من النار ففعلهم فعلها ﴿ولم يقتروا﴾ أي يضيقوا فيضيعو الحقوق ؛ ثم بين العدل بقوله :﴿وكان﴾ أي إنفاقهم ﴿بين ذلك﴾ أى الفعل الذي يجب إبعاده.