ولما علم أن ما بين الطرفين المذمومين يكون عدلاً، صرح به في قوله :﴿قواماً*﴾ أي عدلاً سواء بين الخلقين المذمومين : الإفراط والتفريط، تخلقاً بصفة قوله تعالى ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن نزل بقدر ما يشاء﴾ [الشورى : ٢٧] وهذه صفة أصحاب محمد صلى الله عليه ورضي عنهم - كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوباً للجمال والزينة، بل كانوا يأكلون ما يسد الجوعة، ويعين على العبادة، ويلبسون ما يستر العورة، ويكنّ ن الحر والقر، قال عمر رضي الله عنه : كفى سرفاً أن لا يشتهي الرجل شيئاً إلا اشتراه فأكله.
ولما ذكر ما تحلوا به من أصول الطاعات، بما لهم من العدل والإحسان بالأفعال والأقوال، في الأبدان والأموال، أتبعه ما تخلوا عنه من أمهات المعاصي التي هي الفحشاء والمنكر، فقال :﴿والذين لا يدعون﴾ رحمة لأنفسهم واستعمالاً للعدل ﴿مع الله﴾
٣٣٦
الذي اختص بصفات الكمال ﴿إلهاً﴾ وكلمة " مع " وإن أفهمت أنه غير، لكن لما كانوا يتعنتون حتى أنهم يتعرضون بتعديد الأسماء كما مر في آخر سبحان والحجر، قال تعالىقطعاً لتعنتهم :﴿آخر﴾ أي دعاء جلياً بالعبادة له، ولا خفياً بالرياء، فيكونوا كمن أرسلت عليهم الشياطين فأزتهم أزاً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٦
ولا نفى عنهم ما يوجب قتل أنفسهم بخسارتهم إياها، أتبعه قتل غيرهم فقال :﴿ولا يقتلون﴾ أي بما تدعو إليه الحدة ﴿النفس﴾ أي رحمة للخلق وطاعة للخالق.
ولما كان من الأنفس ما لا حرمة له، بين المراد بقوله :﴿التي حرم الله﴾ أى قتلها، أى منع منعاً عظيماً الملك الأعلى - الذي لا كفوء له - من قتلها ﴿إلا بالحق﴾ أي بأن تعمل ما يبيح قتلها.