الثاني أن الواو لا تنافيه، وقد وقعت الفعال مرتبة في الذكر كما رتبت في الحديث بـ " ثم " فيكون مراداً بها الترتيب - والله الهادي.
ولما أتم سبحانه تهديد الفجار، على هذه الأوزار، أتبعه ترغيب الأبرار، في الإقبال على الله العزيز الغفار، فقال :﴿إلا من تاب﴾ أي رجع إلى الله عن شيء مما كان فيه من هذه النقائص ﴿وآمن﴾ أي أوجد الأساس الذي لا يثبت عمل بدون وهو الإيمان، أو أكد وجوده ﴿وعمل﴾.
ولما كان الرجوع عنه أغلظ، أكد فقال :﴿عملاً صالحاً﴾ أى مؤسساً على أساس الإيمان ؛ ثم زاد في الترغيب بالإتيان بالفاء ربطاً للجزاء بالشرط دليلاً على أنه سببه فقال :﴿فأولئك﴾ أي العالو المنزلة ﴿يبدل الله﴾ وذكر الاسم الأعظم تعظيماً للأمر وإشارة إلى انه سبحانه لا منازع له ﴿سيئاتهم حسنات﴾ أى بندمهم
٣٣٨
على تلك السيئات، لكونها ما كانت حسنات فبكتب لهم ثوابها بعزمهم الصادق على فعلها لو استقبلوا من أمرهم ما استدبروا، بحيث إذا رأى أحدهم تبديل سيائته ما رايتها - رواه مسلم في أواخر الإيمان من صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه رفعه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٦
ولما كان هذا أمراً لم تجر العادة بمثله، أخبر أنه صفته تعالى أزلاً وأبداً، فقال مكرراً للاسم الأعظم لئلا يقيد غفرانه شيء مما مضى :﴿وكان الله﴾ أى الذي له الجلال الإكرام على الإطلاع ﴿غفوراً﴾ أى ستوراً لذنوب كل من تاب بهذا الشرط ﴿رحيماً*﴾ له بأن يعامله بالإكرام كما يعامل المرحوم فيعطيه مكان كل سيئة حسنة ؛ روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في أهل الشرك، لما نزل صدرها قال أهل مكة : فقد عدلنا بالله، وقتلنا النفس التي حرم الله، وأتينا الفواحش، فأنزل الله ﴿إلا من تاب - إلى - رحيماً﴾ [الفرقان : ٧] ؛ وروي عنه أيضاً أنه قال : هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة النساء.


الصفحة التالية
Icon