ولما فرق سبحانه في تلك بين الدين الحق والمذهب الباطل، وبين ذلك غاية البيان، وفصل الرحمن من عباد الشيطان، وأخبر أنه عم برسالته ﷺ جميع الخلائق، وختم بشديد الإنذار لأهل الإدبار، بعد أن قال ﴿فقد كذبتم﴾ وكان حين نزولها لم يسلم منهم إلا القليل، وكان ذلك ربما أوهم قرب إهلاكهم وإنزال البطش بهم، كما كان في آخر سوة مريم، وأشارت الأحرف المقطعة إلى مثل ذلك، فأوجب الأسف على فوات ما كان يرجى من رحمتهم بالإيمان، والحفظ عن نوازل الحدثان، وكان ذلك أيضاً ربما أوجب أن يظن ظان، أن عدم إسلامهم لنقص في البيان، أزال ذلك سبحانه أول هذه فقال ﴿تلك﴾ أي الآيات العالية المرام، الحائزة أعلى مراتب التمام، المؤلفة من هذه الحروف التي تتناطقون بها وكلمات لسانكم ﴿ءايات الكتاب﴾ أي الجامع لكل فرقان ﴿المبين*﴾ أي الواضح في نفسه أنه معجز، وأنه من عند الله، وأن فيه كل معنى جليل، الفارق لكل مجتمع ملتبس بغاية البيان، فصح أنه كما ذكر في التي قبلها، فإن الإبانة هي الفصل والفرق، فصار الإخبار بأنه فرقان مكتنفاً الإنذار أول السورة التي قبلها وآخرها - والله الموفق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٤


الصفحة التالية
Icon