وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما عرفت سورة الفرقان بشنيع مرتكب الكفرة المعاندين، وختمت بما ذكر من الوعيد، كان ذلك مظنة لإشفاقه عليه الصلاة والسلام وتأسفه على فوات إيمانهم، لما جبل عليه من الرحمة والإشفاق، فافتتحت السورة الأخرى بتسليته عليه الصلاة والسلام، وأنه سبحانه لو شاء لأنزل عليهم آية تبهرهم وتذل جبابرتهم فقال سبحانه ﴿لعلك باخع نفسك﴾ - الآيتين، وقد تكرر هذا المعنى عند إرادة تسليته عليه الصلاة والسلام كقوله تعالى :﴿ولو شاء الله لجمعهم على الهدى﴾ [الأنعام : ٣٥]، ﴿ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها﴾ [السجدة : ١٣]، ﴿ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم جميعاً﴾ [يونس : ٩٩]، ﴿ولو شاء الله ما فعلوه﴾ [الأنعام : ١٣٧] ثم أعقب سبحانه بالتنبيه والتذكير ﴿أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم﴾، ﴿وإذ نادى ربك موسى﴾ وقلّما تجد في الكتاب العزيز ورود تسليته عليه السلام إلا معقبة بقصص موسى عليه السلام وما كابد من بني إسرائيل وفرعون، وفي كل قصة منها إحرازاً ما لم تحرزه الخرى من الفوائد والمعاني والأخبار حتى لا تجد قصة تتكر وإن ظن ذلك من لم يمعن النظر، فما من قصة من القصص المتكررة في الظاهر إلا ولو سقطت أو قدر إزالتها لنقص منا لفائدة ما لا يحصل من غيرها، وسيوضح هذا في التفسير بحول الله ؛ ثم أتبع جل وتعالى قصة موسى بقصص غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أممهم على الطريقة المذكورة، وتأنيساً له عليه الصلاة والسلام
٣٤٥