ولما كان حال المعرض عن الشيء حال المكذب به قال :﴿فقد﴾ أي فتسبب عن هذا الفعل منهم أنهم قد ﴿كذبوا﴾ أى حققوا التكذيب وقربوه كما تقدم آخر تلك، واستهزؤوا مع التكذيب بآياتنا.
ولما كان التكذيب بالوعيد سبباً في إيقاعه، وكان حالهم في تكذيبهم له ﷺ حال المستهزىء لأن من كذب بشيء خف عنده قدره، فصار عرضة للهزء، قال مهدداً :﴿فسيأتيهم﴾ سببه بالفاء وحققه بالسين، وقلل التنفيس عما في آخر الفرقان ليعلموا أن ما كذبوا به واقع.
وأنه ليس موضعاً للتكذيب بوجه ﴿أنباء﴾ أي عظيم أخبار وعواقب ﴿ما﴾ أي العذاب الذي ﴿كانوا﴾ أي كوناً كأنهم جبلوا عليه ﴿به﴾ أي خاصة لشدة إمعانهم في حقه وحده ﴿يستهزؤون*﴾ أي يهزؤون، ولكنه عبر بالسين غشارة إلى أن حالهم في شدة الرغبة في ذلك الهزء حال الطالب له، وقد ضموا إليه التكذيب، فالآية من الاحتباك : ذكر التكذيب أولا دليلاً على حذفه ثانياً، والاستهزاء ثانياً دليلاً على حذف مثله أولاً.
ولما كانت رؤيتهم للآيات السماوية والأرضية الموجبة للانقياد والخضوع موجبة لإنكار تخلفهم عما تدعو إليه فضلاً عن الاستهزاء، وكان قد تقدم آخر تلك الحثُّ على تدبر بروج السماء وما يتبعها من الدلالات فكان التقدير : الم يروا إلى السماء كم أودعنا في بروجها وغيرها من آيات نافعة وضارة كالأمطار والصواعق، عطف عليه ما ينشأ عن ذلك في الأرض في قوله معجباً منهم :﴿أو لم يروا﴾.