ولما كانوا في عمى عن تدبر ذلك، عبر للدلالة عليه بحرف الغاية فقال :﴿إلى الأرض﴾ أي على سعتها واختالف نواحيها وتربها ؛ ونبه على كثرة ما صنع من جميع الأصناف فقال :﴿كم أنبتنا﴾ أى بما لنا من العظمة ﴿فيها﴾ بعد أن كانت يابسة ميتة لا نبات بها ﴿من كل زوج﴾ أي صنف مشاكل بعضه لبعض، فلم يبق صنف يليق بهم في العاجلة إلا أكثرنا من الإنبات منه ﴿كريم*﴾ أي جم المنافع، محمود العواقب، لا خباثة فيه، من الأشجار والزروع وسائر النباتات على اختلاف ألوانها في زهورها وأنوارها، وطعومها وأقدراها، ومنافعها وأرواحها - إلى غير ذلك من أمور لا يحيط بها حداً ولا يحصيها عداً، إلا الذي خلقها، مع كونها تسقى بماء واحد ؛ والكريم وصف لكل ما يرضى في بابه ويحمد، وهو ضد اللئيم.
٣٤٨
ولما كان ذلك باهراً للعقل منبهاً له في كل حال على عظيم اقتدار صانعه، وبديع اختياره، وصل به قوله :﴿إن في ذلك﴾ أي الأمر العظيم من الإنبات، وما تقدمه من العظات على كثرته ﴿لآية﴾ أي علامة عظيمةجداً لهم على تمام القدرة على البعث وغيره، كافية في الدعاء إلى الإيمان، والزجر عن الطغيان، ولعله وحّدها على كثرتها إشارة إلى أن الدوالّ عليه مساوية الأقدام في الدلاة، فالراسخون تغنيهم واحدة، وغيرهم لا يرجعون لشيء ﴿و﴾ الحال أنه ﴿ما كان﴾ في الشاكلة التي خلقتهم عليها ﴿أكثرهم﴾ أي البشر ﴿مؤمنين*﴾ أي عريقين في الإيمان، لأنه " ما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " ﴿وإن﴾ أي والحال أن ﴿ربك﴾ أي الذي أحسن إليك بالإرسال، وسخر لك قلوب الصفياء، وزوى عنك اللد الأشقياء ﴿لهو﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٨