متحققاً لذلك، وما ترك قتله إلا التماساً للبينة :﴿فعلتها إذاً﴾ أى إذ قتلته ﴿وأنا من الضالين*﴾ أي لا أعرف ديناً، فأنا واقف عن كل وجهة حتى يوجهني ربي إلى ما يشاء - قال ابن جرير : والعرب تضع الضلال موضع الجهل والجهل موضع الضلال - انتهى.
وقد تقدم في الفاتحة للحرالي في هذا الكلام نفيس - على أن هذه الفعلة كانت مني خطأ ﴿ففررت﴾ أى فتسبب عن فعلها وتعقبه أني فررت ﴿منكم﴾ أى منك لسطوتك ومن قومك لإغرائهم إياك عليّ ﴿لما خفتكم﴾ على نفسي أن تقتلوني بذلك القتيل الذي قتلته خطأ مع كونه كافراً مهدر الدم ﴿فوهب لي ربي﴾ الذي أحسن إليّ بتربيتي عندكم تحت كنف أمي آمنة مما أحدثتم من الظلم خوفاً مني ﴿حكماً﴾ أى علماً أعمل به عمل الحكام الحكماء ﴿وجعلني من المرسلين*﴾ أى فاجهد الآن جهدك فإني لا أخافك لقتل ولا غيره.
ولما اجتمع في كلام فرعون منّ وتعيير، بدأ بجوابه عن التعيير لأنه الأخير فكان أقرب، ولأنه أهم، ثم عطف عليه جوابه عما منّ به، فقال موبخاً له مبكتاً منكراً عليه غير أنه حذف حرف الإنكار إجمالاً في القول وإحساناً في الخطاب :﴿وتلك﴾ أي التربية الشنعاء العظيمة في الشناعة التي ذكرتنيها ﴿نعمة تمنها عليّ﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٣
ولما كان سببها ظلمه لقومه، جعله نفسها فقال مبدلاً منها تنبيهاً على إحباطها، وإعلاماً بأنها - بكونها نقمة - أولى منها في عدها نعمة :﴿أن عبدت﴾ أي تعبيدك وتذليلك على ذلك الوجه البديع المبعد قمي ﴿بني إسرائيل*﴾ أى جعلتم عبيداً ظلماً وعدواناً وهو أبناء الأنبياء، ولسلفهم يوسف عليه السلام عليكم من المنة - بإحياء نفوسكم أولاً، وعتق رقابكم ثانياً - ما لا تقدرون له على جزاء أصلاً، ثم ما كفاك ذلك حتى فعلت ما لم يفعله مستبعد، فأمرت بقتل أبنائهم، فكان ذلك سبب وقوعي إليك لأسلم من ظلمك - كما مر بيانه ويأتي إن شاء الله تعالى مستوفى في سورة القصص.


الصفحة التالية
Icon