ولما كان تعريف حقيقته سبحانه بنفسها محالاً لعدم التركيب، فكان تعريفها لا يصح إلا بالخارج اللازم الجلي، تشوف السامع إلى ما يجيب به عنه، فاستأنف قوله إخباراً عنه :﴿قال﴾ أى موسى معرضاً عن التعريف بغير الأفعال إعلاماً بأنه لا شبيه له، وأنه مباين وجوده لوجود كل شيء سواه، معرفاً له سبحانه بأظهر أفعاله مما لا يقدر أحد على ادعاء المشاركة فيه، مشيراً إلى خطابه في طلب الماهية بأنه لا مماثل له : أقول لك ولمن أردت بطلب الحقيقة التمويه عليهم : هو ﴿رب﴾ أي خالق ومبدع ومدبر ﴿السماوات﴾ كلها ﴿والأرض﴾ وإت تباعدت أجرامها بعضها عن بعض ﴿وما بينهما﴾ وذلك أظهر العالم الذي هو صنعته وأنتم غير مستغنين عنه طرفة عين، فهذه هي المنة، لا منتك عليّ بالتربية إلى حين استغنيت عنك، وهذا هو الاستبعاد بالإحسان، مع العصيان بالكفران، لا استبعادك لقومي بإهلاكهم وهم في طاعتك، ولسلفهم عليكم من المنة ما لا تجهلونه ﴿إن كنتم﴾ أى كوناً راسخاً ﴿موقنين*﴾ أي متصفين بما عليه أهل العلم بأصول الدين من الثقة بما تعتقدون اتصافاً ثابتاً، والجواب : علمتم ذلك، وعلمتم أنه لا جواب أسد منه، لأن المذكور متغير، فله مغير لا يتغير، وهو هذا الذي أرسلناه، أي إن كان لكم يقين فأنتم تعرفونه، لشدة ظهوره، وعموم نوره ﴿قال﴾ أي فرعون ﴿لمن حوله﴾ منأشراف قومه مموهاً أيضاً :﴿ألا تسمعون*﴾ أي تصغون إليه بجميع جهدكم، وهو كلام ظاهرة أنه نبههم عن الإنكار، لأنه سأل عن الماهية، فأجيب بغيرها، ويحتمل غير ذلك لو ضويق فيه، فهو من خفيّ مكره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٣
ولما وبخ اللعين في جوابه، وكان ربما ادعى أن الخافقين وما بينهما من الفضاء غير مخلةق، فتشوف السامع إلى جواب يلزمه، استأنف الشفاء لعيّ هذا السؤال بقوله :﴿قال﴾ أي موسى، مخصصاً بعد ما عمم بشيء لا تمكن المنازعة فيه لمشاهدة وجود
٣٥٥


الصفحة التالية
Icon