أفراده بعد أن لم تكن :﴿ربكم﴾ أي الموجد لكم والمربي والمحسن ﴿ورب آبائكم الأولين*﴾ وفرعون - الذي تقرون بأنه ربكم - كان إذ ذاك عدماً محضاً، أو ماء صرفاً في ظهر أبيه، فبطل كون أحد منهم رباً لمن بعده كما بطل كون أحد ممن قبلهم من الهالكين ربّاً لهم، لأن الكل عدم.
فلما أوضح بذلك بطلان ما حملهم على اعتقاده من ربوبيته لم يتمالك أن ﴿قال إن رسولكم﴾ على طريق التهكم، إشارة إلى أن الرسول ينبغي ان يكون أعقل الناس، ثم زاد الأمر وضوحاً بقوله :﴿الذي أرسل إليكم﴾ أى وأنتم أعقل الناس ﴿لمجنون﴾ حيث لا يفهم أني أساله عن حقيقة مرسله فكف يصلح للرسالة من الملوك.
فلما أساء الأدب، فاشتد تشوف السامع إلى معرفة جوابه عنه، استأنف تعالى الإخبار بذلك، فحكى أنه ذكر له ما لا يمكنه أن يدعي طاعته له، وهو أكثر تغيراً وأعجب تنقلاً بأن ﴿قال رب المشرق والمغرب﴾ أى الشروق والغروب ووقتهما وموضعهما ﴿وما بينهما﴾ أى من الناس الذين ليسوا في طاعتكم، والحيوان والجماد، بسبب ما ترون من قدرته على تقليب النيرات من بزوغ الشمس والقمر والنجوم وأفولها وما يظهر عنهما من الليل والنهار على تصاريف مختلفة، وحركات متقاربة لو لا هي لما علمتم شيئاً من أموركم، ولا تمكنتم من أحوالكم، وهذا الدليل أبين الكل لتكرر الحركة فيه وغير ذلك من معالمه، ولذلك بهت نمرود لما ألقاه عليه الخليل عليه الصلاة والسلام.
ولما دعاه ﷺ باللين فأساء الأدب عليه في الجواب الماضي، ختم هذا البرهان بقوله :﴿إن كنتم تعقلون﴾ أي فأنتم تعلمون ذلك، فخيرهم بين الإقرار بالجنونن أو العقل، بما أشار إليه من الأدلة في مقابلة ما نسبوه إليه من الجنون بسكوتهم وقول عظيمهم بغير شبهة، رداً لهم عن الضلالة، وإنقاذاً من واضح الجهالة، فكان قوله أنكأ مع أنه ألطف، وأوضح مع أنه أستر وأشرف.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٥


الصفحة التالية
Icon