فلما علو أنه قد قطعه بما أوضح من الأمر، ووصل معه في الغلظة إلى ما إن سكت عنه أوهن من حاله، وفتر من عزائم رجاله، تكلم بما السكوت أولى منه، فأخبر تعالى بقوله :﴿قال﴾ عادلاً عن الحجاج بعد الخوض فيه إلى المغالبة التي هي أبين علامات الانقطاع :﴿لئن اتخذت إلهاً غيري﴾ أى تعمدت أخذه وأفردته بتوجيه جميع قصدك إليه ﴿لأجعلنك من المسجونين﴾ أي واحداً ممن هم في سجوني على ما تعلم من حالي في اقتداري، ومن سجوني في فظاعتها، ومن حال من فيها من شدة الحصر، والغلظ في الحجر ﴿قال﴾ مدافعاً بالتي هي أحسن إرخاء للعنان، لإرادة البيان، حتى لا
٣٥٦
يبقى عذر لإنسان، رجاء النزوع عن الطغيان، والرجوع إلى الإيمان، لأن من العادة الجارية السكون إلى الإنصاف، والرجوع إلى الحق والاعتراف ﴿أولو﴾ أي أتسجنني ولو ﴿جئتك بشيء مبين*﴾ أي لرسالتي ﴿قال﴾ طمعاً في أن يجد موضعاً للتكذيب أو التلبيس :﴿فأت به﴾ أس تسبب عن قولك هذا أني أقول لك : ائت بذلك الشيء ﴿إن كنت﴾ أي كوناً أنت راسخ فيه ﴿من الصادقين*﴾ أى فيما ادعيت منالرسالة والبينة، وهذا إشارة إلى أنه بكلامه المتقدم قد صار عنده في غير عدادهم، ولزم عليه أنه لا يأتي بالمعجزة إلا الصادق لأنها تصديق من الله للمدعي، وعادته سبحانه وتعالى جارية في أنه لا يصدق الكاذب ﴿فألقى﴾ أي فتسبب عن ذلك وتعقبه أن ألقى.


الصفحة التالية
Icon