ولما قدم إضمار اسم موسى عليه السلام في الإلقاء الأول لأن الكلام كان معه، فلم يكن إلباس في أنه الفاعل.
وكان الكلام هنا في السحرة، وختموا بذكر فرعون وعزته، صرح باسم موسى عليه الصلاة والسلام لنفي اللبس فقال :﴿فألقى﴾ أى فتسبب عن صنع السحرة وتعبه أن ألقى ﴿موسى﴾ وقابل جماعة ما ألقوه بمفرد ما ألقى، لأنه أدل على المعجزة، فقالك ﴿عصاه﴾ أي التي جعلناها آية له، وتسبب عن إلقائه قوله :
٣٥٩
﴿فإذا هي تلقف﴾ أ يتبتلع في ا لحال بسرعة ونهمة ﴿ما يأفكون*﴾ أي يصرفونه عن وجهه وحقيقته التي هي الجمادية بحيلهم وتخييلهم إلى ظن أنه حيات تسعى ﴿فألقى﴾ أي عقب فعلها من غير تلبث ﴿السحرة ساجدين*﴾ أي فسجدوا بسرعة عظيمة حتى كأن ملقياً ألقاهم بغير اختيارهم من قوة إسراعهم، علماً منهم بأن هذا من عند الله، فأمسوا أتقياء بررة، بعد ما جاؤوا في صبح ذلك اليوم سحرة.
ولما كأنه قيل : هذا فعلهم، فما كان قولهم ؟ قيل :﴿قالوا آمنا برب العالمين*﴾ أى الذي دعا إليه موسى عليه السلام أو ما تكلم ؛ ثم خصوه لتلبيس فرعون بما لا يحتمل غيره فقالوا بيناً :﴿رب﴾ ولم يدع داع هنا إلى العدول عن الأصل، فقال عبارة عن كلامهم :﴿موسى وهارون*﴾ أى اللذين أحسنا إلينا بالتنبيه عليه، والهداية إليه، وصدقهما بما جرى على أيديهما.


الصفحة التالية
Icon