ولما قص سبحانه من حال الدعاء ما كفى في التسلية من قصد هذين النبيين بالأذى والتهكم بمن دعوا إليه، وجعلهما الأعليين، ولم يضرهمت ضعفهما وقتلهما، ولا نفع عدوهما قوته وكثرته، شرع يسلس بما أوقعه في حال السير، فقال طاوياً ما بقي منه لأن هذا ذكّر به، عاطفاً على هذه القصة :﴿وأوحينا﴾ أي بما لنا من العظمة حين أردنا فصل الأمر وإنجاز الموعود ﴿إلى موسى أن أسر﴾ أي سر ليلاً، حال اشتغال فرعون وجنوده بموت أبكارهم وتجهيزهم لهم ﴿بعبادي﴾ أي بنس إسرائيل الذين كرمتهم مصاحباً لهم إلى ناحية بحر القلزم، غير مبال بفرعون ولا منزعج منه، وتزودوا اللحم
٣٦١
والخبز الفطير للإسراع، وألطخوا أعتابكم بالدم، لني أوصيت الملائكة الذين يقتلون الأبكار أن لا يدخلوا بيتاً على بابه دم ؛ ثم علل أمر له بالسير في الليل بقوله :﴿إنكم متبعون*﴾ أي لا تظن أنهم لكثرة ما رأوا من الآيات يكفون عن اتباعكم، فأسرع بالخروج لتبعدوا عنهم إلى الموضع الذي قدرت في الأزل أن يظهر فيه مجدي، والمراد توافيهم عند البحر، ولم يكتم اتباعكم عن موسى عليه السلام لعدم تأثره به لما تحقق عنده من الحفظ لما تقدم به لاوعد الشريف بذلك التأكيد.
ولما كان التقدير : فأسرى بهم امتثالاً للأمر بعد نصف الليل، عطف عليه قوله :﴿فأرسل فرعون﴾ أي لما أصبح وأعلم بهم ﴿في المدائن حاشرين*﴾ أي رجالاً يجمعون الجنود بقوة وسطوة وإن كرهوا، ويقولون تقوية لقلوبهم وتحريكاً لهممهم :﴿إن هؤلاء﴾ إشارة بأداة القرب تحقيراً لهم إلى أنهم في القبضة وإن بعدوا، لما بهم من العجز، وبآل فرعون من القوة، فليسوا بحيث يخاف قوتهم ولا ممانعتهم ﴿لشرذمة﴾ أي طائفة وقطعة من الناس.


الصفحة التالية
Icon