ولما قام عذر موسر عليه السلام فيما استدفعه أول القصة من كيد فرعون بما ثبت له من العظمة والمكنة في كثرة الجند وعظيم الطاعة منهم له في سرعة الاجتماع الدالة علة مكنتهم في أنفسهم، وعظمته في قلوبهم، رغبة ورهبة، وظهر مجد الله في تحقيق ما وعد به سبحانه من الحراسة، وزاد ما أقر به العيون، وشرح به الصدرو، وكان ذلك أمراً يهز القوى سماعه، ويروع الأسماع تصوره وذكره، قال منبهاً على ذلك :﴿إن في ذلك﴾ أب الأمر العظيم العالي الرتبة من قصة موسى وفرعون وما فيها من العظات ﴿لآية﴾ أى علامة عظيمة على ما قال الرسول موجبة للإيمان به من أن الصانع واحد فاعل بالاختبار، قادر على كل شيء، وأنه رسوله حقاً ﴿وما كان أكثرهم﴾ أي الذين شاهدوها والذي وعظوا بسماعها ﴿مؤمنين لله﴾ أي متصفين بالإيمان الثابت، أما القبط
٣٦٥
فما آمن منهم إلا السحرة ومؤمن ىل فرعون وامرأة فوعون والمرأة التي دلتهم على عظام يوسف عليه السلام - على ما يقال، وأما بنو إسرائيل فكان كثير منهم مزلزلاً يتنعت كل قليل، ويقول ويفعل ما هو كفر، حتى تداركهم الله تعالى على يدي موسى عليه السلام ومن بعده، وأول ما كان من ذلك سؤالهم إثر مجاوزة البحر أن يجعل لهم إلهاً الصنام التي مروا عليها، وأما غيرهم ممن تأخر عنهم فحالهم معروف، وأمرهم مشاهد مكشوف ﴿وإن ربك﴾ أى المحسن غليك بإعلاء أمرك، واستنقاذ الناس من ظلام الجهل على يدك ﴿لهو العزيز﴾ أي القادر على الانتقام من كل فاجر ﴿الرحيم*﴾ أي الفاعل فعل البليغ الرحمة، فهو يمهل ويدر النعم، ويحوط من النقم، ولا يمهل، بل يرسل رسلاً، وينزل معهم ما بين به ما يرضيه وما يسخطه، فلا يهلك إلا بعد الإعذار، فلا تستوحش ممن لم يؤمن، ولا يهمنك ذلك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٤


الصفحة التالية
Icon