ولما كان الإنسان قد يعكف على الشيء - وهو غير سامع - لكن لنفعه له في نفسه أو ضره لعدوه كالنار مثلاً، وكان محط حال العابد والداعي بالقصد الول بالذات جلب النفع، قال :﴿أو ينفعوكم﴾ أي على العبادة كما ينفع اق شيء تقتنونه ﴿أو يضرون*﴾ على الترك :﴿قالوا﴾ : لا والله! ليس عندهم شيء من ذلك ﴿بل وجدنا آباءنا كذلك﴾ أى مثل فعلنا هذا العالي الشأن، ثم صوروا حالة آبائهم في نفوسهم تعظيماً لأمرهم فقالوا :﴿يفعلون*﴾ أي فنحن نفعل كما فعلوا لأنهم حقيقون منا بأن لا نخالفهم، مع سبقهم لنا إلى الوجود، فهم أرصن منا عقولاً، وأعظم تجربة، فلولا أنهم رأوا ذلك حسناًن ما واظبوا عليه، هذا مع أنهم لو سلكوا طريقاً حسية حصل لهم منها ضرر حسي ما سلكوها قط، ولكن هذا الدين يهون على الناس فيه التقليد بالباطل قديماً وحديثاً.
ولما وصلوا إلى التقليد المخض الخالي عن أدنى نظر كما تفعل البهائهم والطير في تبعها لأولها ﴿قال﴾ معرضاً عن جواب كلامهم بنقص، إشارة إلى أنه ساقط لا يرتضيه
٣٦٧
من شم رائحة الرجولية :﴿أفرأيتم﴾ أى فتسبب عن قولكم هذا أني أقول لكم : أرأيتم، أى إن لم تكنوا رأيتموهم رؤية موجبة لتحقق أمرهم فانظروهم نظراً شافياً ﴿ما كنتم﴾ أي كوناً هو كالجبلة لكم ﴿تعبدون*﴾ مواظبين على عبادتهم ﴿أنتم﴾.
ولما أجابوه بالتقليد، قال لهم ما معناه، رقوا تقليدكم هذا إلى أقصى غاياته، فإن التقدم والأولوية لا تكون برهاناً على الصحة، والباطل لا ينقلب حقاً بالقدمن وذلك مراده من قوله :﴿وآباؤكم الأقدمون*﴾ أي الذين هم اقدم ما يكنون : هل لهم وصف غير ما أقررتم به من عدم السماع والنفع والضر ؟ ﴿فإنهم﴾ أي فتسبب عن رؤيتكم ووصفكم لهم بما ذكرتم أني أخبركم إخباراً مؤكداً أنهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٦


الصفحة التالية
Icon