ولما كانت صيغة فعول للمبالغة، أغنت في العدو والصديق عن صيغة الجمع ولا سيما وهي شبيهة بالمصادر كالقبول الصهيل، فقال مخبراً عن ضمير الجمع :﴿عدو لي﴾ أي أناصفهم بالسوء وأعاملهم في إبطالهم ومحقهم معاملة الأعداء وكل من عبدهم كما قال في الآية الخرى ﴿لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين﴾﴿أف لكم ولما تعبدون من دون الله﴾﴿تالله لأكيدن أصنامكم﴾ [الأنبياء : ٥٤ : ٥٧ : ٦٧].
ولما كانوا هم مشركين، وكان في آبائهم الأثدمين من عبد الله وحده.
قال :﴿إلا رب العالمين*﴾ أي مدبر هذه الأكوان كلها - كما قال موسى عليه السلام - لأن ذلك أشهر الأوصاف وأظهرها، فإنه ليس بعدوي، بل هو وليّي ومعبودي ؛ ثم شرع يصفه بما هم به عالمون من أنه على الضد الأقصى من كل ما عليه أصنامهم فقال :﴿الذي﴾ ولما لم يكن أحد يدعي الخلق لم يحتج إلى ما يدل على الاختصاص فقالك ﴿خلقتني﴾ أي أوجدني على هيئة التقدير والتصوير ﴿فهو﴾ أي فتسبب عن تفرده بخلقي أنه هو لا غيره ﴿يهدين*﴾ أي إلى الرشاد، ولأنه لا يعلم باطن المخلوق ويقدر على كمال التصرف فيه غير خالقه، ولا يكن خالقه إلا سمعياً بصيراً ضاراً نافعاً، له الكمال كله، ولا شك أن الخلق للجسد، والهداية للروح، وبالخلق والهداية يحصل جميع المنافع، والإنسان له قالب من عالم الخلق، وقالب من عالم الأمر، وتركيب القالب مقدم كما ظهر بهذه الآية، ولقوله ﴿فإذا سويته ونفخت فيه من روحي﴾ [الحجر : ٢٩] وأمثال ذلك، وذكر الخلق بالماضي لأنه لا يتجدد في الدنيا، والهداية بالمضارع لتجددها وتكررها ديناً ودنيا ﴿والذي هو﴾ أي لا غيره ﴿يطعمني ويسقين﴾ ولو أراد لأعدم ما آكل وما أشرب أو أصابني بآفة لا أستطيع معها أكلاً ولا شرباً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٦
٣٦٨