ولما نبه على أن المقصود هو الآخرة، صرح بالتزهيد في الدنيا بتحقير أجل ما فيها فقال :﴿يوم لا ينفع﴾ أي أحداً ﴿مال﴾ أى يفتدي به أو يبذله لشافع أو ناصر مقاهر ﴿ولا بنون*﴾ ينصر بهم أو يعتضد فكيف بغيرهم ﴿إلا من أتى الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له الغنى المطلق في هذا الموطن ﴿بقلب سليم*﴾ أى عن مرض غيرّه عن افطرة الأولى التي فطره الله عليها، وهي الإسلام الذي رأسه التوحيد، والاستقامة على فعل الخير، وحفظ طريق السنة كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ليس فيها من جدعاء فإن ﴿المال والبنون﴾ ينفعانه بما تصرف فيهما من خير، والاستثناء مفرغ، والظاهر أن قوله ﴿وأزلقت﴾ أي قربت بأيسر وجه حال من واو " بيعثون " ﴿الجنة للمتقين*﴾ وعرف أهل الموقف أنها لهم خاصة تعجيلاً لسرورهم وزيادة في شرفهم ﴿وبرزت﴾ أى كشفت كشفاً عظيماً سهلاً ﴿الجحيم﴾ أى النار الشديدة التأجج، واصلها نار عظيمة في مهواة بعضها فوق بعض ﴿للغاوين*﴾ أي الضالين الهالكين بحيث عرف أهل الموقف أنها لهم ﴿وقيل لهم﴾ تبكيتاً وتنديماً وتوبيخاً، وأبهم القائل ليصلح لكل أحد، تحقيراً لهم، ولأن
٣٧١
المنكى نفس القول لا كونه من معين :﴿أينما كنتم﴾ بتسلك الأخلاق التي هي كالجبلات ﴿تعبدون*﴾ أي في الدنيا على سبيل التجديد والاستمرار.
وحقر معبوداتهم بقوله :﴿من دون﴾ أي من أدنى رتبة من رتب ﴿الله﴾ أي الملك الذي لا كفوء له، وكنتم تزعمون أنهم يشفعون لكم ويقونكم شر هذا اليوم ﴿هل ينصرونكم﴾ فيمنعون عنكم ما برز لكم ﴿أو ينتصرون*﴾ أي هم بالدفع عن أنفسهم.


الصفحة التالية
Icon