ولما كان إقامة الدليل على قوتهم بمثل ذلك قليل الجدوى عند التأمل، قال :﴿تعبثون*﴾ والعاقل ينبغي له أن يصون أوقاته النفيسة عن العبث الذي لا يكون سبب ن
جاتهن وكيف يليق ذلك بمن الموت من ورائه.
ولما كان من يموت لا ينبغي له إنكار الموت بفعل ولا قول قال :﴿وتتخذون مصانع﴾ أي أشياء بأخذ الماء، أو قصوراً مشيدة وحصوناً تصنعونها، هي في إحكامها بحيث تأكل الدهر قوة وثباتاً، فلا يبنيها إلا من حاله حال الراجي للخلود، ولذلك قال :﴿لعلكم تخلدون*﴾ وهو معنى ما في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما من تفسيرها بكأنكم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٦
ولما بين أن عملهم عمل من لا يخاف الموت، أتبعه ما يدل على أنهم لا يظنون الجزاء فقال :﴿وإذا بطشتم﴾ أي بأحد، أخذتموه أخذ سطوة في عقوبة ﴿بطشتم جبارين*﴾ أي غير مبالين بشيء من قتل أو غيره ؛ قال البغوي : والجبار الذي يضرب ويقتل على الغضب.
ولما خوفهم لهذا الإنكار عقاب الجبار، تسبب عنه أن قال :﴿فاتقوا الله﴾ أي الذي له جميع صفات الجلال والإكرام ﴿وأطيعون*﴾.
ولما كان ادكار الإحسان موجباً للإذعان، قال مرغباً في الزيادة ومرهباً من الحرمانك ﴿واتقوا الذي أمدكم﴾ أى جعل لكم مدداً، وهو إتباع الشيء بما يقويه على الانتظام ﴿بما تعلمون*﴾ أى ليس فيه نوع خفاء حتى تعذروا في الغفلة عن تقييده بالشكر.
٣٧٨
ولما أجمل، فصل ليكون أكمل، فقال :﴿أمدكم بأنعام﴾ أي تعينكم على الأعمال وتأكلون منها وتبيعون.
ولما قدم ما يقيم الأود، أتبعه قوله :﴿وبنين*﴾ أي يعينونكم على ما تريدون عند العجز.
ثم أتبعه ما يحصل كمال العيش فقال :﴿وجنات﴾ أى بساتين ملتفة الشجار بحيث تستر داخلها، وأشار إلى دوام الريّ بقوله :﴿وعيون*﴾.


الصفحة التالية
Icon