ولما أثبت ما يوجب الإقبال عليه، نفى ما يستلزم عادة الإدبار عنه فقال :﴿وما﴾ أي إني لكم كذا والحال أني ما ﴿أسئلكم عليه﴾ وأعرق في النفي بقوله :﴿من أجر﴾ ثم زاد في تأكيد هذا النفي بقوله :﴿إن﴾ أي ما ﴿أجري﴾ على أحد ﴿إلا رب العالمين *﴾ أى المحسن إليهم أجمعين، منه أطلب أن يعطيني كما أعطاهم.
ولما ثبتت الأمانة، وانتفى موجب الخيانة، شرع ينكر عليهم أكل خيره وعبادة غيره، فقال مخوفاً لهم من سطواته، ومرغباً في المزيد من خيراته.
منكراً عليهم إخلادهم إلى شهوة البطن، واسنتادهم إلى الرفاهية والرضى بالفاني :﴿أتتركون﴾ أي من ايدي النوائب التي لا يقدر عليها إلا الله ﴿في ما هاهنا﴾ أي في بلادكم هذه من النعم حال كونكم ﴿آمنين*﴾ أي أنتم تبارزون الملك القهار بالعظائم.
ولما كان للتفسير بعد الإجمال شأن.
بين ما أجمل بقوله مذكراً لهم بنعمة الله ليشكروها :﴿في جنات﴾ أى بساتين تستر الداخل فيها وتخفيه لكثرة أشجارها ﴿وعيون*﴾ تسقيها مع ما لها من البهجة وغير ذلك من المنافع ﴿وزروع﴾ وأشار إلى عظم النخيل ولا سيما ما كان عندهم بتخصيصها بالذكر بعد دخولها في الجنات بقوله :﴿ونخل طلعها﴾ أي ما يطلع منها من الثمر ؛ قال الزمخشري : كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو، والقنو اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه.
﴿هضيم﴾
٣٨٠
أي جواد كريم من قولهم : يد هضوم - إذا كانت تجود بما لديها، وتفسيره بذلك يجمع أقوال العلماء، وإليه يرجع ما قال أبو عبد الله القزاز معناه أنه قد هضم - أى ضعط - بعضه بعضاً لتراكمه، فإنه لا يكون كذلك غلا وهو كثير متقارب النضد، لا فرج بينه، ولطيف لين هش طيب الرائحة، من الهضم بالتحريك، وهو خمس البطن ولطف الكشح ؛ والهاضم وهو ما فيه رخاوة، والهضم : البخور، والمهضومة : طيب يخلط بالمسك واللبان ؛ قال الرازي في اللوامع : أو يانع نضيج لين رخو ومتهشم متفتت إذا مس، أو يههم الطعام، وكل هذا يرجع إلى لطافته.


الصفحة التالية
Icon