جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٠
ولما ذكر اللطيف من أحوالهم، أتبعه الكثيف من أفعالهم، فقال عطفاً على ﴿أتتركون﴾ أو مبيناً لحال الفاعل في ﴿آمنين﴾ :﴿وتنحتون﴾ أي والحال أنكم تنحتون إظهاراً للقدرة ﴿من الجبال بيوتاً فارهين*﴾ أي مظهرين النشاط والقوة، تعظيماً بذلك وبطراً، لا لحاجتكم إلى شيء من ذلك ﴿فاتقوا﴾ أى فتسبب عن ذلك أني اقول لكم : اتقوا ﴿الله﴾ الذي له جميع العظمة بأن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية باتباع أوامره ؛ واجتناب زواجره ﴿وأطيعون*﴾ أى في كل ما آمركم به وأنهاكم عنه.
فإني لا آمركم غلا بما يصلحكم فيكون سبباً لحفظ ما أنتم فيه وتزدادون ﴿ولا تطيعوا﴾.
ولما كان لانقياد للآمر إنما هة بواسطة ما ظهر من أمره قال :﴿أمر المسرفين*﴾ أى المتجاوزين للحدود الذي صار لهم ذلك خلقاً : ثم وصفهم بما بين إسرافهم، وهو ارتكابالفساد الخالص المصمت الذي لا صلاح معه فقال :﴿الذين بفسدون في الأرض﴾ أى يعملون ما يؤدي إلى الفساد لكونه غير محكم باستناده إلى الله.
ولما كان ربما ادعى في بعض الفساد أن فيه صلاحاً، نفى ذلك بقوله :﴿ولا يصلحون*﴾ أي لأنهم أسسوا أمرهم على الشرط فصاروا بحيث لا يصلح لهم عمل وإن تراءى غير ذلك، أو أن المعنى أن المسرف من كان عريقاً في الإسراف بجمع هذين الأمرين.
ولما دعا إلى الله تعالى بما لا خلل فيه، فعلموا أنهم عاجزون عن الطعن في شيء منه، عدلوا إلى التخلييل على عقول الضعفاء بأن ﴿قالوا ما أنت من المسحرين*﴾ أى الذين بولغ في سحرهم مرة بعد مرة مع كونهم آدميين ذمي سحور، وهي الرئات، فأثر فيك السحر حتى غلب عليك ؛ ونقل البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنها : من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب، يقال : سحره أي علله بالطعام والشراب.
ويؤيده خصوصيتك عنا بالرسالة، وهل يكون الرسول من البشر، وإتباعهم الوصف
٣٨١
الوصف من غير عطف عليه يدل على أنهم غير جازمين بتكذيبه.


الصفحة التالية
Icon