قالوصفان عندهم بمنزلة شيء واحد كما إذا قيل : الزمان حلو حامض، أي مر، ويؤيد كونهم في رتبة الشك لم يتجاوزها إلى الجزم أو الظن بالتكذيب قولهم :﴿فأت بآية﴾ أى علامة تدلنا على صدقك ﴿إن كنت﴾ أي كوناً هو غاية الرسوخ ﴿من الصادقين*﴾ أي العريقين في الصدق بخلاف ما يأتي قريباً في قصة شعيب عليه السلام.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٠
ولما أسرع الله تعالى في إجابته حين دعا أن يعطيهم ما اقترحوا، أشار إلى ذلك بقوله :﴿قال﴾ أى جواباً لاقتراحهم : تعالوا نظروا ما آتيكم به آية على صدقي، فأتوا فأخرج الله له من الصخرة ناقة عشراء كما اقترحوا، فقال مشيراً إليها بأداة القرب إشارة إلى سهولة إخراجها وسرعته :﴿هذه ناقة﴾ أي أخرجها ربي من الصخرة كما اقترحتم ؛ ثم أشار إلى أن في هذه الاية آية أخرى بكونها تشرب ماء البئر كله في يوم وردها وتكف عنه في اليوم الثاني لأجلهم، بقوله :﴿لها شرب﴾ أي نصب من الماء في يوم معلوم ﴿ولكم شرب يوم﴾ أى نصيب من الماء في يوم ﴿معلوم*﴾ لازحام بينكم وبينها في شيء من ذلك.
ولما أرشد السياق إرشاداً بَيِّناً إلى أن المعنى : فخذوا شربكم واتركوا لها شربها، عطف عليه قوله :﴿ولا تمسوها بسوء﴾ أي كائناً ما كان وإن قل، لأن ما كان من عند الله يجب إكرامهن ورعايته واحترامه ؛ ثم خوفهم بما يتسبب عن عصيانهم فقال :﴿فيأخذكم﴾ أى يهلككم ﴿عذاب يوم عظيم*﴾ بسبب ما حل فيه من العذاب، فهو ابلغ من وصف العذاب بالعظم، وأشار إلى سرعة عصيانهم بفاء التعقيب في قوله :﴿فعقروها﴾ أي قتلوها بضرب ساقها بالسيف.
ولما تسبب عن عقرها حلول مخايل العذاب، أخبر عن ندمهم على قتلها من حيث إنه يفضي إلى الهلاك، لا من حيث إنه معصية لله ورسوله.


الصفحة التالية
Icon