ولما أعلمت هذه الآية بمنابذة من عصى ككائناً من كان ولو كان ممن ظهر منه الرسوخ في الإيمان، لما يرى منه من عظيم الإذعان، أتبعه قوله :﴿وتوكل﴾ أي في عصمتك ونجاتك والإقبال بالمنذرين إلى الطاعة، وقراءة أهل المدينة والشام بالفاء السببية أدل على ذلك ﴿على العزيز﴾ أي القادر على الدفع عنكم والانتقام منهم ﴿الرحيم*﴾ أى المرجو لإكرام الجميع برفع المخالفة والشحناء، والإسعاد بالاستعمال فيما يرضيه ؛ ثم أتبع الأمر بالتوكل الوصف بما يقتضي الكفاية في كل ما ينوب من دفع الضر وجلب النفع، وذلك هو العلم المحيط المقتضي لجميع أوصاف الكمال، فقال :﴿الذي يراك﴾ أى بصراً وعلماً ﴿حين تقوم*﴾ من نومك من فرشك تاركاً لحبك، لأجل رضا ربك ﴿و﴾ يرى ﴿تقلبك﴾ في الصلاة ساجداً وقائماً ﴿في الساجدين*﴾ أى المصلين من أتباعك المؤمنين، لكم دوي بالقرآن ادوي النحل، وتضرع من خوف الله، ودعاء وزفرات تصاعد وبكاء، أى فهو جدير لإقبالكم عليه، وخضوعكم بين يديه، بأن يحبوكم بكل ما يسركم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٦
٣٩٨
ولما كنت هذه الأحوال مشتملة على الأقوال، وكان قد قدم الرؤية المتضمنة للعلم، علل ذلك بالتصريح به مقروناً بالسمع فقال :﴿إنه هو﴾ أي وحده ﴿السميع﴾ أي لجميع أقوالكم ﴿العليم*﴾ أي بجميع ما تسرونه وتعلونونه من أعمالكم، وقد تقدم غير مرة أن شمول العلم يستلزم تمام القدرة، فصار كأنه قال : إنه السميع العليم البصير القدير، تثبيتاً للمتوكل عليه.


الصفحة التالية
Icon