ولما كان كأنه قيل : نعم أنبئنا! قال :﴿تنزل﴾ على سبيل التدريج والتردد ﴿على كل افاك﴾ أي صراف - على جهة الكثرة والمبالغة - للأمور عن وجوهها بالكذب والبهتان، والخداع والعدوان، من جملة الكهان وأخذان الجان ﴿أثيم*﴾ فعال االآثام بغاية جهده، وهؤلاء الأثمة ﴿يلقون السمع﴾ إلى الشياطين، ويصغون إليهم غاية الإصغاء، لما بينهما من التعاشق بجامع إلقاء الكذب من غير اكتراث ولا تحاش، أو يلقي الشياطين ما يسمعونه مما يسترقون استماعه من الملائكة إلى أوليائهم، فهم بما سمعوا منهم يحدثون، وبما زينت لهم نفوسهم يخلطون ﴿وأكثرهم﴾ أي الفريقين ﴿كاذبون*﴾ فيما ينقلونه عما يسمعونه من الإخبار بما حصل فيما وصل إليهم من التخليط، وما زادوه من الافتراء والتخبيط انهماكاً في شهوة علم المغيبات، الموقع في الإفك والضلالات ؛ قال الرازي في اللوامع ما معناه أنه حيثما كان استقامة في حال
٣٩٩
الخيال - أي القوة المتخيلة - كانت منزلة الملاءكة، وحيثما كان اعوجاج في حال الخيال كان منزل الشياطين، فمن ناسب الروحانيين من الملائكة كان مهبطهم عليه، وظهورهم له، وتأثيرهم فيه، وتمثلهم به، حتى إذا ظهروا عليه تلكم بكلامهم وتكلموا بلسانه، ورأى بابصارهم وابصروا بعينيه، فهم ملائكة يمشون على الأرض مطمئنين ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة﴾ [فصلت : ٣٠] ومن ناسب الشياطين من الأبالسة كان مهبطهم عليه، وظهورهم بلسانه، ورأى بأبصارهم وابصروا بعينيه، هم شياطين الإنس يمشون في الأرض مفسدين - انتهى.


الصفحة التالية
Icon