ولما بطل - بإبعاده عن دركات الشياطين، وإصعاده إلى درجات الروحانيين، من الملائكة المقربين، الآتين عن رب العالمين - كونه سحراً، وكونه أضغاثاً ومفترى، نفى سبحانه كونه شعراً بقوله :﴿والشعراء يتبعهم﴾ أي بغاية الجهد، في قراءة غير نافع بالتشديد، لاستحسان مقالهم وفعالهم، فيتعلمون منهم وينقلون عنهم ﴿الغاوون*﴾ أي الضالون المائلون عن السنن الأقوم إلى الزنى والفحش وكل فساد يجر إلى الهلاك، وهم كما ترى بعيدون من أتباع محمد ﷺ ورضي عنهم الساجدين الباكين الزاهدين.
ولما قرر حال أتباعهم، فعلم منه أنهم هم أغوى منهم، لتهتكهم في شهوة اللقلقة باللسان، حتى حسن لهم الزور والبهتان، دل على ذلك بقوله :﴿ألم تر أنهم﴾ أي الشعراء.
ومثل حالهم بقوله :﴿في كل واد﴾ أي من أودية القول من المدح والهجو والنسيب والرثاء الحماسة والمجون وغير ذلك ﴿يهيمون*﴾ أي يسيرون سير الهائم حائرين وعن طريق الحق جائرين، كيفما جرهم القول انجروا من القدح في الأنساب، والتشبيب بالحرم، والهجو.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٨
ومدح من لا يستحق المدح ونحو ذلك، ولهذا قال :﴿وأنهم يقولون ما لا يفعلون*﴾ أى لنهم لم يقصدوه.
وإنما أجأهم إليه الفن الذي سلكوه فأكثر اقوالهم لا حقائق لها، انظر إلى مقامات الحريري وما اصطنع فيها من الحكايات، وابتدع بها من الأمور المعجبات.
التي لا حقائق لها، وقد جعلها أهل الاتحاد أصلاً لبدعتهم الطافرة، وقاعدة لصفقتهم الخاسرة، فنا أظهر حالهم، وأوضح ضلالهم! وهذا بخلاف القرن فإن معان جليلة محققة، في ألفاظ متينة جميلة منسقة، وأساليب معجزة مفحمة، ونظوم معجبة محكمة، لا كلفة في شيء منها، فلا رغبة لذي طبع سليم عنها، فأنتج ذلك أنه لا يتبعهم على أمرهم إلا غاو مثلهم، ولا يزهد في هذا القرآن إلا من طبعه جاف، زقلبه مظلم مدلهم.
٤٠٠


الصفحة التالية
Icon