ولما خص المؤمنين بما علم منه أن لهم حسن الثواب، وأنهم في الآخرة هم الفائزون، ذكر ما يختص به هؤلاء من ضد ذلك فقال :﴿أولئك﴾ أى البعداء البغضاء ﴿الذين لهم﴾ أي خاصة ﴿سوء العذاب﴾ في الدارين : في الدنيا بالأسر والقتل والخوف ﴿وهم في الآخرة هم﴾ المختصون بأنهم ﴿الأخسرون*﴾ أى أشد الناس خشارة لأنهم خسروا ما لا خسارة مثله، وهو أنفسهم التي لا يمكنهم إخلافها.
ولما وصف القرآن من الجمع والفرقان، بما اقتضى بيان أهل الفوز والخسران، وكان حاصل حال الكفرة أنهم يتلقون كفرهم الذي هو في غاية السفه إنا عن الشياطين الذين هم في غاية الشر، وإما عن آبائهم الذين هم في غاية الجهلن وصف النبي ﷺ بضد حالهم، فذكر جلالة المنزل عليه والمنزل ليكون أدعى إلى قبوله.
فقال عاطفاً على ﴿إن الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ :﴿وإنك﴾ أى وأنت اشرف الخلق وأعلمهم وأحلمهم
٤٠٨
وأحكمهم ﴿لتلقى القرآن﴾ أى تجعل متلقياً له من الملك، وحذف هنا الواسطة وبناه للمفعول إعلاء له.
ولما كانت الأمور التي من عند الله تارة تكون على مقتضى الحكمة فتسند إلى أسبابها، وأخرى خارقة للعادة فتنسب إليه سبحانه، والخارقة تارة تكون في أول رتب الغرابة فيعبر عنها بعند، تارة تكون في أعلاها فيعبر عنها بلدان، نبه سبحانه على أن هذا القرآن في الذروة نم ا لغرابة في أنواع الخوارق فقال :﴿من لدن﴾.
ولما مضى في آخر الشعراء ما تقدم من الحكم الجمة في تنزيله بهذا اللسان.