وعلى قلب سيد ولد عدنان، بواسطة الروح الأمين، مبايناً لأحوال الشياطين، إلى غير ذلك مما مضى إلى أن ختمت بتهديد الظالمين، وكان الظالم إلى الحكمة أحوج منه إلى مطلق العلم، وقدم في هذه أنه هدى، وكان الهادي لا يقتدي به ولا يوثق بهدايته إلا إن كان في علمه حكيماً، اقتضى السياق تقديم وصف الحكمة، واقتضى الحال التنكير لمزيد التعظيم فقال :﴿حكيم﴾ أي بالغ الحكمة، فلا شيء من أفعاله إلا وهو في غاية الإتقان ﴿عليم*﴾ أي عظيم العلم واسعة تامة شاملة، فهو بعيد جدا عما ادعوه فيه من أنه كلام الخلق الذي لا علم لهم واسعة تامة شامله، فهو بعيد جداً عما ادعوه فيه من الخلق عن الإتيان بشيء من مثله، وإدراك شيء من مغازيه حق إدراكه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٨
ولما وصفه بتمام الحكمة وشمول العلم، دل على كل من الوصفين، وعلى إبانه القرآن وما له من العظمة التي أشار أليها أول السورة بما يأتي في السورة منا لقصص وغيرها، واقتصر في هذه السورة على هذه القصص لما بينها من عظيم التناسب المناسب لمقصود السورة، فابتدىء بقصة أجمع فيها الأباعد على الكفران فأهلكوا، والأقارب على الإيمان فأنجوا، وثنى بقصة أجمع فيها الباعد على الإيمان، لم يتخلف منهم إنسان، وثلث بأخرى حصل بين الأقارب فيها الفرقان، باقتسام الكفر والإيمان، وختم بقصة تمالأ الأباعد فيها على العصيان، وأصروا على الكفران، فابتلعتهم الأرض ثم غطوا بالماء كما بلغ الأولين الماء فكان فيه التواء.