ولما كان تعليق ذلك بالاسم العم دالاً على أنه يستحق ذلك لمجرد ذاته المستجمع لجميع صفات الكمال، من الجلال والجمال، وصفه بما يعرف أنه يستحقه أيضاً لأفعاله بكل مخلوق التي منها ما يريد أن يربي به موسى عليه الصلاة والسلام كبيراً بعد ما رباه به صغيراً، فقال :﴿رب العالمين*﴾.
ولما تشوفت النفس إلى تحقق الأمر تصريحاً، قال معظماً له تمهيداً لما أراد سبحانه إظهاره على يده من المعجزات الباهرات :﴿يا موسى إنه﴾ أي السأن العظيم الجليل الذي لا يبلغ وصفه ﴿أنا الله﴾ أي البالغ من العظمة ما تقصر عنه الأوهام، وتتضاءل دونه نوافذ الإفهام، ثم أفهمه مما تتضمن ذلك وصفين يدلانه على أفعاله معه فقال :﴿العزيز﴾ أي الذي يصل إلى جميع ما يريد ولا يوصل إلى شيء مما عنده من غير الطريق التي يريد ﴿الحكيم*﴾ أي الذي ينقص كل ما يفعله غيره إذا أراد، ولا يقدر غيره أن ينقض شيئاً من فعله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٨
ولما كان التقدير : فافعل جميع ما آمرك به فإنه لا بد منه، ولا تخف من شيء فإنه لا يوصل إليك بسوء لأنه متقن بقانون الحكمة، محروس بسور العزة، دل عليه بالعطف في قوله :﴿وألق عصاك﴾ أي لتعلم علماً شهودياً عزتي وحكمتي - أو هو معطوف على ﴿أن بروك﴾ - فألقاها كما أمر، فصارت في الحال - بما أذنت به الفاء - حية عظيمة جداً، هي - مع كونها في غاية العظم - في نهاية الخفة والسرعة في اصطرابها عند محاولتها ما يريد ﴿فلما رآها تهتز﴾ أي تضطرب في تحركها مع كونها في غاية الكبر ﴿كأنها جآن﴾ أي حية صغيرة في خفتها وسرعتها، ولا ينافي ذلك كبر جثتها ﴿ولى﴾ أي موسى عليه الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon