ولما دل أول الكلام وآخره على أن التقدير ما ذكرته، وعلم نه أن من ظلم خاف، وكان المرسلون بل الأنبياء معصومين عن صدور ظلم، لكنهم لعلو مقامهم، وعظيم شأنهم، يعد عليهم خلاف الأولى، بل بعض المباحات المستوية، بل أخص من ذلك، كما قالوا " حسنات الأبرار سيئات المقربين "، استدراك سبحانه من ذلك بأداة الاستثناء ما يرغب المرهبين من عواقب الظلم آخرتلك في التوبة، وينبه موسى عليه السلام على غفران وكزة القبطي له، وأنه لا خوف عليه بسببه وإن كان قتله مباحاً لكونه خطأ مع أنه كافر، لكن علو المقام يوجب التوقف عن الإقدام إلا بإذن خاص، ولذلك سماه هو ظلماً فقال ﴿رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي﴾ وهو نم التعريضات التي يلطف مأخذها فقال :﴿إلا﴾ أو المعنى : لكن ﴿من ظلم﴾ كائناً من كان، بفعل سوء ﴿ثم بدل﴾ بتوبته ﴿حسناً بعد سوء﴾ وهو الظلم الذي كان عمله، أي جعل الحسن بدل السوء كالسحرة الذين آمنوا بعد ذلك بموسى عليه الصلاة والسلام فإني أغفره له بحيث يكون كأنه لم يعمله أصلاً، وأرحمه بما أسبغ عليه من ملابس الكرامة المقارنة للأمن والعز وإن أصابه قبل ذلك نوع خوف.
ثم علل ذلك بأن المغفرة والرحمة صفتان له ثابتتان، فقال :﴿فإني﴾ أي أرحمه بسبب أني ﴿غفور﴾ أي من شأني أني أمحو الذنوب محواً يزيل جميع آثارها ﴿رحيم*﴾ أعامل التائب منها ماملة الراحم البليغ الرحمة بما يقتضيه حاله من الكرامة، فايل أثر ما كان وقع فيه من موجب الخوف وهو الظلم.
ولما أراه سبحانه هذه الخارقة فيما كان في يده بقلب جوهرها إلى جوهر شيء آخر حيواني، أراه أخرى في يده نفسها بقلب عرضها الذي كانت عليه إلى عرض آخر نوراني، فقال :﴿وأدخل يدك في جيبك﴾ أي فتحة ثوبك، وهو ما قطع منه ليخيط بعنقك ﴿تخرج﴾ أي إذا أخرجتها ﴿بيضاء﴾ أي بياضاً عظيماً نيراً جداً، له شعاع كشعاع الشمس.
٤١٢