ولما كان هذا أمراً باهراً، دل عليه بقوله مؤكداً بانواع التأكيد وشاكراً حاثاً لنفسه على مزيد الشكر وهازاً لها إليه :﴿إن هذا﴾ أي الذي أوتيناه ﴿لهو الفضل المبين*﴾ أي البين في نفسه لكل من ينظره، الموضح لعلو قدر صاحبه ووحدانية مفيضة مؤتية.
ولما كان هذا مجرد خبر، أتبعه ما يصدقه فقال :﴿وحشر﴾ أي جمع جمعاً حتماً بقهر وسطوة وإكراه بأيسر سعي ﴿لسليمان جنوده﴾.
ولما دل ذلك على عظمه، زاد في الدلالة عليه بقوله :﴿من الجن﴾ بدأ بهم لعسر جمعهم ﴿والأنس﴾ ثنى بهم لشرفهم ومشاركتهم لهم في ذلك من حيث تباعد أغراضهم وتناءي قصودهم.
ولما ذكر ما يعقل وبدأ به لشرفه، أتبعه ما لا يعقل فقال :﴿والطير﴾ ولما كان الحشر معناه الجمع بكره، فكان لا يخلو عن انتشار، وكان التقدير : وسار بهم في بعض الغزوات، سبب عنه قوله تعظيماً للجيش وصاحبه :﴿فهم يوزعون*﴾ أي يكفون بجيش أولهم على آخرهم بأدن أمر وأسهله ليتلاحقوا، فيكون ذلك أجدر بالهيبة، وأعون على النصرة، وأقرب إلى السلامة ؛ عن قتادة أنه كان على كل صنف من جنوده وزعة ترد أولاها على أخرها لئلا يتقدموا في المسير، قال : والوازع : الحابس وهو النقيب.
وأصل الوزع الكف والمنع.
ولما كان التقدير : فساروا، لأن الوزع لا يكون إلاعن سير، غياه بقوله :﴿حتى إذا أتوا﴾ أي أشرفوا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
ولما كان على بساطه فوق متن الريح بين السماء والأرض.
عبر بأداة الاستعلاء فقال :﴿على واد النمل﴾ وهو واد بالطائف - كما نقله البغوي عن كعب، وهو الذي تميل إليه النفس فإنه معروف إلى الآن عندهم بهذا الاسم، ويسمى أيضاً نخب وزن كتف، وقد رأيته لما قصدت تلك الديار لرؤية مشاهدها، والتطوف في معابدها ومعاهدها.