والثاني : قبول النعمة بمعنى بتلقيها من المنعم بإظهار الفقر والفاقة، فإن ذلك شاهد بقبولها حقيقة، والثالث : الثناء بها بأن تصف المنعم بالجود والكرم ونحوه مما يدل على حسن تلقيك لها واعترافك بنزول مقامك في الرتبة عن مقامه، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى، وهو على ثلاث درجات : الأولى الشكر على المحاب أي الأشياء المحبوبة، وهذا شكر تشارك فيه المثبتون المسلمون واليهود والنصارى والمجوس، فإن الكل يعتقدون أن الإحسان الواصل من ا لرحمن واجب معرفته على الإنسان، ومن سعة بر البارىء سبحانه وتعالى أن عده شكراً مع كونه واجباً على الشاكر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
ووعد عليه الزيادة، وأوجب فيه المثوبة إحساناً ولطفاً.
الثانية : الشكر في المكاره، وهو إما من رجل لا يمييز بين الحالات، بل يستوي عنده المكروه والمحبوب، فإذا نزل به المكروه شكر الله عليه بمعنى أنه أظهر الرضا بنزوله به، وهذا مقام الرضا، وإما من رجل يميز بين الأحوال فهو لا يحب المكروه ولا يرضى بنزوله، فإن نزل به مكروه فشكره عليه
٤١٧
إنما هو كظم الغيظ وستر الشكوى وإن كان باطنه شاكياً، والكظم إنما هو لرعاية الأدب بالسلوك في مسلك العلم، فإنه يأمر العبد بالشكر في السراء والضراء والثالثة : أن لا يشهد العبد إلا المنعم باشتغاله بالاستغراق في مشاهدته عن مشاهدة النعمة، وهذا الشهودعلى ثلاثة أقسام : أحدها أن يستغرق فيها عبودة، فيكون مشاهداً له مشاهدة العبد للسيد بأدب العبيد إذا حضروا بين يدي سيدهم، فإنهم ينسون ما هم فيه من الجاه والقرب الذي ما حصل لغيرهم، باستغراقهم في الأدب، وملاحظتهم لسيدهم خوفاً من أن يسير إليهم في أمر فيجدهم غافلين، وهذا أمر معروف عند من صحب الملوك.
فصاحب هذا الحال إذ أنعم عليه سيده في هذه الحالة، مع قيامه في حقيقة ا لعبودة، استعظم الإحسان، لأن العبودة توجب عليه أن يستضغر نفسه.


الصفحة التالية
Icon