ولما كان الكريم كما تقدم في الرعد - من ستر مساوىء الأخلاق بإظهار معاليها لأنه ضد اللئيم، وكان هذا الكتاب قد حوى من الشرف أمراً باهراً لم يعهد مثله منجهة المرسل والرسول والافتتاح بالاسم الأعظم إلى ما له من وجازة اللفظ وبلوغ المعنى، قالت :﴿كريم*﴾ ثم بينت كرمه أو استأنفت جواباً لمن يقول : ممن هو وما هو ؟ فقالت :﴿إنه﴾ أي الكتاب ﴿من سليمان﴾ وفيه دلالة على أن الابتداء باسم صاحب الكتاب لا يقدح في الابتداء بالحمد ﴿وأنه﴾ أى المكتوب فيه ﴿بسم الله الرحم الرحيم*﴾ فحمد المستحق للحمد وهو الملك الأعلى المحيط عظمه بدائرتي الجلال والإكرام، العام الرحمة بك نعمة، فملك الملوك من فائض ما له من الإنعام الذي يخص بعد العموم من يشاء بما يشاء مما ترضاه ألوهيته من إنعامه العام، بعد التعريف باسمه إشارة إلى أنه المدعو إليه للعبادة بما وجب له لذاته وما استحقه بصفاته، وذلك كله بعد التعريف بصاحب الكتاب ليكون ذلك أجدر بقبوله، لأن أكثر الخلق إنما يعرف الحق بالرجال، ولما في كتابه من الدلالة على نبوته، فسر مراده بأمر قاهر فقال :﴿ألا تعالوا عليّ﴾ أي لا تمتنعوا من الإجابة لي، والإذعان لأمري، كما يفعل الملوك، بل اتركوا علوهم، لكوني داعياً إلى الله الذي أعلمت في باء البسملة لا تكون حركة ولا سكون إلا به، فيجب الخضوع له لكونه رب كل شيء ﴿وأتوني مسلمين*﴾ أي منقادين خاضعين بما رايتم من معجزتي في أمر الكتاب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٠


الصفحة التالية
Icon